رد الفعل الإسرائيلي دائما وحشي وبربري وغير أخلاقي أو إنساني، ورغم رفضنا الكامل لسلوكيات وتصرفات حماس، إلا أن ذلك لا يمكن أن يغطي حقيقة الدموية الصهيونية، فصواريخ هذه الحركة تعدّ بدائية قياسا بصواريخ إسرائيل المتطورة

لا يبدو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والحركة بمجملها لاعبا نزيها في المعادلة السياسية الفلسطينية، فممارسة الشغب العسكري لا يمكن أن ترقى إلى فعل المقاومة، أو تمنح الفلسطينيين خيارات عقلانية ومنطقية بشأن مستقبلهم وعيشهم في القطاع، رغم افتقاده لكثير من موارد الحياة الكريمة، وبصورة عامة لم تقدم الحركة وقادتها للقضية الفلسطينية غير ضحايا من أتباعها ومن الفلسطينيين الأبرياء؛ لأنهم أسوأ من يضع قدمه السياسية في الموقع والتوقيت الخاطئ.
مشعل يصرح خلال العمليات العسكرية التي تعصف بغزة وأهلها الأبرياء، بأن المقاومة تنتظر نخوة جيش مصر العظيم لأمته العربية، ويخاطب المجتمع الدولي بأنهم إذا أرادوا التهدئة، فلا بد أن يضغطوا على حكومة بنيامين نتنياهو؛ لتوقف عدوانها وسياساتها المعادية لمصالح الشعب الفلسطيني، وذلك تَباكٍ يكشف عن الوجه الحقيقي لفكرة المقاومة، التي تنهار بفوضى قياداتها وتخبطهم بأكثر من ضغط الكيان الصهيوني.
مبدئيا، لا أتفق مع سلوك حماس السياسي، وإنما في حالة معارضة لها، وهي سبب رئيس ومؤثر فيما يحدث من نكبات يومية لسكان قطاع غزة وتأزيم القضية وعملية التفاوض والحوار، وحتى الحالة العسكرية الحالية، وإن لم تتسبب فيها بصورة مباشرة، إلا أنها بطريقة مباشرة تصنع الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه النتائج، أي لا يمكن تبرئتها تماما مما يحدث، ولكن الحقيقة أيضا على الجانب الآخر، أن العدو الصهيوني استغل حادثة اختطاف المستوطنين الثلاثة والعثور عليهم مقتولين ليبدأ حملة وحشية ضد سكان قطاع غزة، دون أن يتعامل مع الواقعة في مسارها الجنائي الطبيعي.
رغم أخطاء وسوء إدارة حماس للصراع مع الصهاينة، وفي علاقاتها بالفصائل الفلسطينية الأخرى، إلا أننا لا يمكن أن نتغافل استغلال العدو الإسرائيلي لتلك الأخطاء والفوضى والعشوائية، ليلهب المدنيين العزل بحمم من الصواريخ التي تهدم بيوتهم على رؤوسهم وتنثر أشلاءهم، تلك حقيقة من الصعب القفز عنها، ونتيجة غاية في السوء الإنساني ننتهي إليها مع قيادات إسرائيل الدمويين، فالعالم يرى صورا مأساوية لأطفال تقطعت أجسادهم أو دفنوا تحت الركام والدمار، ومنازل كانت تقف لتحمل في أحشائها عوائل مدنية، أصبحت أثرا بعد عين في لحظات، وذلك غير امتهان الكرامة بما يتعرض له الفلسطينيون من إهانات في الطرقات وداخل منازلهم.
ورد الفعل الإسرائيلي دائما وحشي وبربري وغير أخلاقي أو إنساني، ورغم رفضنا الكامل لسلوكيات وتصرفات حماس، إلا أن ذلك لا يمكن أن يغطي حقيقة الدموية الصهيونية، فصواريخ هذه الحركة تعدّ بدائية قياسا بصواريخ إسرائيل المتطورة التي تطلقها من الطائرات، أو تلك التي ضمن منظومة القبة الحديدية، ولم تصب من الإسرائيليين بالقدر الذي دمّرت به الدولة الصهيونية قطاع غزة، فهناك مئات القتلى وأكثر من ألف جريح والأعداد في ازدياد، فهل يوجد تكافؤ في معادلة القوة؟!
من المهم ونحن نسعى لنجدة أهل غزة، ألا نركز الصورة بعيدا عن وحشية التدمير الإسرائيلي، وأن نختزل الحرب والفوضى الإنسانية في نتائج أفعال أولئك الذين يزعمون بأنهم مقاومة، ولا شك أن لحماس أخطاء وممارسات غير منضبطة، ولكن كان هناك دوما رد فعل إسرائيلي متطرف، ومفرط في استخدام القوة بصورة غير متكافئة، لا تتناسب مع الحدث أو الشرارة؛ لأننا ببساطة أمام عدو غير مسؤول إنسانيا، يرتكب ذات الجرائم التي تعرض لها أسلافه في عهد النازية، وكأنه يمارس إسقاطا نفسيا على الفلسطينيين. ولذلك، فإننا أمام منظومة معقدة من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي تتطلب موقفا يضع حدا لإفراط الصهاينة في استخدام القوة، ويوقف عبث حماس بالقضية والأبرياء الفلسطينيين، ودائما هناك مساحة لتحقيق توازن؛ لأن الممارسة السياسية قائمة على مبدأ وفكرة التوازنات، بدونها يصبح الحال أعرج، كما هو الحال العربي في المسار التفاوضي؛ بسبب هؤلاء الذين يدّعون المقاومة، والحال الإسرائيلي في المسار الإنساني والأخلاقي.