أتمنى أن تنظر الوزارة إلى تثقيف وتدريب الموظفات على كيفية التعامل بفن وذوق وأدب من خلال دورات خدمة العملاء، لأن مسألة أن تعطل الدوائر الحكومية معاملات الناس أصبحت مرفوضة
في كل مرة أزور ذلك المكان أشعر بالاختناق والإحباط حتى قبل أن أدخل من كثرة خيبات الأمل التي تعرضت لها في كل محاولة لتحقيق الهدف الذي أراجع من أجله، ما إن اقتربت من ذلك المكان حتى بدأ نفس شعورالإحباط القديم يتسلل إلى نفسي بعد أن رأيت واجهة المدخل التي لم تتغير بل زادت سوءًا، استقبلتني كومة من القمامة أمام المدخل تدور حول بعضها في زوبعة ذكرتني بأفلام الكاوبوي.. تفاديتها لأصل إلى المصعد الذي لم يتحسن منذ أربع سنوات وكأنه تنكة (صفيحة) كبيرة على شكل باب وليس مصعدا، هبت نسمة هواء ساخنة حيث كانت الحرارة ذلك اليوم 45 درجة مئوية ولا توجد ملامح لأي جهاز تكييف في المدخل يبرد عليّ حرارة الإحباط الداخلية التي كانت تعتريني تلك اللحظة بعد أن شعرت بمدى حرارة المصعد المعدني الذي كان أشبه بقدر ضغط كبير يعج بمجموعة من السيدات، لم تكن الصدمة الأولى لي القمامة فقد اعتدت رؤيتها في الخمس مرات التي زرت فيها المكان، ما صدمني وأخافني الظلام الحالك الذي لا يجعلك ترى حتى يديك وأنت تضعها أمام عينيك... ظلام دامس في المصعد في عز الظهر وفوق ذلك عليك أن تتحمل أن ينكتم نفسك بسبب الحرارة التي يختزنها المصعد الذي لا يوجد به أية تهوية أو إنارة، اعتادت السيدات المراجعات استخدام ذلك المصعد يوميا دون تقديم شكوى وعذرناهن لأن التي تشتكي تتعطل مصالحها، ولكن كيف تتحمل الموظفات الحرارة والظلام يوميا دون تبليغ؟! قالت إحداهن حين سألتها كيف تتحملن ذلك قالت: عادي كلها دقيقة ونصل إلى مكاتبنا!
صعدت إلى الدور الأول مع مجموعة من السيدات وكانت ترافقني في هذا المشوار زميلتي في العمل لاستلام الهوية الوطنية الجديدة، حين توجهت إلى نافذة تسليم البطاقات وقفت أمام الموظفة التي كانت تقرأ في مصحف بين يديها (لأننا كنا حينها في رمضان) وشرحت لها أننا هنا اليوم لاستلام البطاقات الجديدة، وقبل أن أنهي كلامي رفعت رأسها وقالت: عطلان. وعادت تقرأ في المصحف الذي كان مفتوحا أمامها. أعدت السؤال: ما هو العطلان؟ قالت: النظام... الجهاز عطلان ونحن ننتظر الفني لتصليحه، ردت عليها زميلتي: هل لك أن تتصلي بقسم الرجال وتسأليهم إذا كان الفني وصل، أو على الأقل أرسلي بطاقاتنا إلى قسم الرجال للتفعيل، طبعا كنا قد أخذنا الوقت الذي حددته لنفسها لإنهاء جزء من القرآن وهي في عملها خاصة أن ذلك اليوم يصادف الخامس من رمضان، مع العلم بأن المكان كان يعج بالسيدات اللاتي كانت تصرّفهن بكلمة واحدة عطلان دون تقديم أي خدمة بديلة!
?أغلقت المصحف بعد أن انزعجت من إلحاحنا باستلام البطاقة وتفرغت لنا أخيرا وقالت: ممنوع.. ممنوع أن أرسل أي بطاقة نسائية إلى قسم الرجال.. اندهشت لإجابتها غير المنطقية، وأوضحت لها أننا موظفات واستأذنا من أعمالنا لاستلام البطاقة وصعب أن نستأذن يوماً آخر. قالت إيش أسوي لكم لتضرب أروع مثل في خدمة العملاء وتكمل بأن الجهاز يتعطل دائما وهذه مش غلطتنا، كانت زميلتي في تلك اللحظة بدأت تترجاها لكي تساعدنا، ثم أوقفتها لأن ذلك واجبها ووظيفتها أن تخدمنا وتنهي معاملاتنا، نظرت إلي وفتحت الرف الذي أمامها وتأكدت من أن بطاقاتنا موجودة ثم أشارت لنا بها لنتأكد من هوياتنا، في تلك اللحظة أعادت زميلتي طلبها للموظفة بأن ترسل البطاقات إلى قسم الرجال للتفعيل فقط ما دام النظام معطلاً في قسم النساء، قالت: أصلا النظام يتعطل كل يوم، وممنوع بأمر من وزارة الداخلية أن أرسل بطاقات السيدات لقسم الرجال، ممنوع لأنه في الأصل حين يقدم المراجع طلبه لإصدار بطاقة لزوجته أو نسائه يضعها ولي الأمر بنفسه في ظرف ويغلقه ولا يرى الصور أي شخص وترسل الملفات بالصور المغلقة إلى الإدارة في الرياض لإصدار البطاقات الذكية. أصبحت عادة سيئة متوارثة في بعض الدوائر الحكومية لماذا حين تسأل سؤالاً يخيفونك بأن القرار من الوزارة التي يتبعون لها وطلبك يتعارض مع قرارات الوزارة وهذا سيعرضك إلى المساءلة القانونية وفجأة تجد نفسك أمام مصيبة أو تلبس تهمة مخالفة الأنظمة! لم أقتنع بالأسباب والأعذار الواهية التي أتت بها الموظفة، حيث كانت أضعف من أن تخرج من فم طفل يحاول استخدام ذكائه لكي ينصب على والده ويدعي المرض لكي لا يذهب إلى المدرسة!! من العادات السيئة المتوارثة أيضا الاستخفاف بالعقل الآدمي الموجود في رأس كل مواطن ومواطنة، وإذا فرضنا أن كلام الموظفة صحيح فمن الذي سوف ينهي البطاقة في الوزارة في الرياض، ومن الذي سيطبع ويضع (صور السيدات) على البطاقة الذكية في الرياض؟ هل ولي الأمر الذي وضع الصور في الدمام سيسافر إلى الرياض ليتأكد أن لا أحد يرى صورة نسائه! هل لهذه الدرجة أصبح الاستخفاف بعقولنا أسهل من سلام عليكم؟
?أحبطتني وأعادتني عشرات السنين إلى الخلف، كنت واثقة بأن ما جاءت به تلك الموظفة لم يكن سوى اجتهاد فردي سيئ لم يعط فقط صورة لتملص بعض موظفات الأحوال المدنية من العمل، بل أعطى صورة أكبر بأن النظام الآلي المعمول به في الأحوال المدنية سلبياته أكثر من إيجابياته لأنه يتعطل كل يوم، وفوق ذلك تلك الصورة السلبية أيضا التي لا يمكن أن يصدقها أي عقل وهي منع دخول بطاقة السيدات للتفعيل في قسم الرجال وذلك بأمر من الداخلية.
لقد أخذت وزارة الداخلية على عاتقها مسؤولية خدمة المواطنين والمقيمين عن طريق تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة للجميع.. الطمأنينة التي كنا نتوقعها وننتظرها ونحتاجها بشدة في إنهاء المعاملات.. لا التخويف بالوزارة نفسها من أجل مطلب هو في الأصل حق مشروع.
? ?لا أعتقد أن من أهداف وزارة الداخلية أن تمنع تفعيل بطاقة الأحوال للسيدات في الأقسام الرجالية، لأن هدف الوزارة تحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين، ومحاربة كل أشكال الجريمة والرذيلة والفساد، بهدف الحفاظ على سلامة المجتمع السعودي وضمان تقدمه.?
?لا توجد رقابة توعوية للأسف على القسم النسائي للأحوال المدنية من حيث نظافة المكان أولا، والترتيب وتطوير النظام الذي ما زال يكتب باليد ويحفظ في ملف أخضر! أتمنى أن تنظر الوزارة إلى تثقيف وتدريب الموظفات على كيفية التعامل بفن وذوق وأدب من خلال دورات خدمة العملاء، لأن مسألة أن تعطل الدوائر الحكومية معاملات الناس أصبحت مرفوضة، ومرفوض أن نهان وتتم معاملتنا كالأغراب في أوطاننا من أجل تحقيق حق هو في الأصل مشروع وليس خدمة.
قال الملك عبد الله بن عبد العزيز:إننا معكم نعايش أمانيكم وأحلامكم، فلم يبق لنا من أمل شيء سوى خدمتكم، والسهر على راحتكم، وتفقد أحوالكم فهل تتفقد الوزارة ذلك المكان وتطلب من موظفيه وموظفاته خدمتنا وإنهاء معاملاتنا؟