إن تمييع ميزانية جامعة بأكملها تخطت نصف القرن وجاهدت لاستحداث أقسام علمية مؤهلة من قبل أرقى الجامعات لهو خطأ كبير، إذ كان طلابها ينشرون الدين ممتزجا بالعلم بتوازن ووسطية وفق نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

قارئة كريمة من المدينة المنورة بعثت إليّ برابط لصحيفة إلكترونية في طيبة الطيبة مرخصة من وزارة الثقافة والإعلام، حيث نشرت أضواء المدينة أن هناك جملة من القرارات ستشهدها في وقت قريب جامعات المدينة المنورة، وستحدث جملة من التغيّرات التي تتضمن إعادة الهيكلة ونقل بعض التخصصات وكذلك نقلا في المباني الجامعية. وكشفت المصادر عن عدد من القرارات أهمها ما يلي:
تُقتصر التخصصات العلمية (طب، هندسة، علوم، حاسب،...) على جامعة طيبة، أما التخصصات الدينية (شريعة، دعوة ، دراسات إسلامية) فتقتصر على الجامعة الإسلامية، ونقل جميع الكليات العلمية بطلابها وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية إلى جامعة طيبة، وأيضاً نقل جميع الكليات التي تقدم العلوم الشرعية بطلابها وأعضاء هيئة التدريس بجامعة طيبة إلى الجامعة الإسلامية.(انتهى).
ترى القارئة أن هذه القرارات، إن حدثت، فإنها تكشف عن العمل على الفصل بين الدين والعلم تحت رؤى لم يُفصح عنها، وتحويل مؤسسة عريقة ومضيئة بإنجازاتها في السنوات الأخيرة الجامعة الإسلامية إلى جامعة لا تشرق فيها شمس العلم الحديث!
إن تمييع ميزانية جامعة بأكملها تخطت نصف القرن وجاهدت لاستحداث أقسام علمية مؤهلة من قبل أرقى الجامعات لتخرج الطبيب المحصن بالعقيدة والمهندس الوسطي والصيدلي التقي والفني المتزن بعد أن تسلحوا بالدين والعلم معاً وأرسلتهم الجامعة سفراء في بلدانهم لهو خطأ كبير، إذ كانوا ينشرون الدين ممتزجا بالعلم بتوازن ووسطية وفق نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والآن يأتي من يقتل حلما لم يكتمل وتوأد أهدافاً لا تزال في طور نموها!!
وفي مصر.. جامعة الأزهر خير مثال لذلك فلم تعمد إلى فصل العلوم الشرعية عن العلمية (الدين عن العلم). وأخرجت الطبيب والمهندس وغيرهما وكما يطلقون عليهم طبيبا أو مهندسا أزهريا، ولم تعمد إلى تمييع الأزهر في جامعة القاهرة أو أية جامعة أخرى.
- واليابان حينما أصبحت دولة يشار إليها بالبنان في التقدم والازدهار كان نتيجة لاهتمامها بالتعليم، اهتمت بعقل الإنسان لأنك حينما تبني العقل أنت تبني الوطن.. وللأسف أن ميزانية التعليم لدينا تبني أوطاناً..!
إنه لمن الإجحاف أن تتخذ مثل هذه القرارات غير المدروسة بما لا يتوافق مع العولمة العالمية والتنمية التي نسعى لها جميعا لنصل إلى مصاف الدول المتقدمة، وإذا بنا ننسحب إلى الوراء!
وفي رأيي.. أن الوطن أغلى وأثمن من أي مزايدات فردية ورؤى قاصرة لا تصب في مصلحة الوطن سوى العشوائية..!
وأذكر أنني كتبت قبل أقل من سنتين قائلاً إن النقلة النوعية التي حدثت للجامعة الإسلامية في فترتها السابقة وفي مدة بسيطة لا تتجاوز خمس سنوات تبشر بمستقبل أجمل وأكثر انفتاحاً على علوم العصر وتحولاته، ولن يكون هناك أصدق وأكثر مرونة من الإسلام نفسه حين يقودنا إلى الأمام بقيادة العقول المستنيرة أمثال العقلا، المدير السابق، بعد أن أخرج مؤسسة علمية من عزلتها إلى آفاق أرحب تستطيع من خلالها أن تسهم في تنمية المجتمع وتنويره أيضاً، ولعل المؤتمرات واللقاءات والندوات التي نظمتها الجامعة في السنوات الماضية دليل حي وواقعي على ذلك مثل مؤتمر الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف! هذا غير لقاءات القيادات الوطنية الكبيرة في البلاد بالجمهور والإعلام والشباب وطرح الأسئلة المتعلقة بالتغيير والنهضة وصولاً مع المسيرة البشرية إلى الأفضل.
لقد كان للحضارة الإسلامية في تاريخها دور عظيم في خدمة الحضارة الإنسانية وقد أسهم العلماء المسلمون في مجالات كثيرة منها الطب ودور ابن النفيس فيه وفي الكيمياء كان لجابر بن حيان تأثيره البالغ في مسيرته وفي الجبر كان للخوارزمي دور فاعل، أما في علم الاجتماع فقد كان لابن خلدون تأثيره العظيم فيه.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز: لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ بعد الله بالعلم والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغ إلى ذلك إلا إذا اعتمدت بعد الله على العلم، فالعلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة! لقد تعرضت الإنسانية لهجوم عنيف من المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية ويخشون الحوار ويسعون للهدم ولا يمكننا أن نواجههم إلا إذا قمنا بالتعايش محل النزاع والمحبة محل الأحقاد والصداقة محل الصدام، ولا شك أن المراكز العلمية عندما تحتضن الجميع هي الخط الأول للدفاع ضد هؤلاء.