في الأسبوع الماضي كتبت أقدم اعتذاري عن مقالة يوم الثلاثاء وذلك لأن الدسك توب قرر أن يعلن عليّ التمرد وأدخل إلى باطنه على ما يبدو فيروس.. خيانة، كأنه كان يعلم بأنه المفضل لدي عن بقية الأجهزة خاصة وأنا أكتب... المهم قلت في نفسي جنت على نفسها براقش وسأشتري جهازا جديدا في اليوم التالي لأنني سئمت رحلات التصليح!
وبينما أنا أصيغ الاعتذار بدأت أصابعي تصغي لأفكار أخرى كانت قد بدأت تصارع كي تنطلق من بين أصابعي لتصل إلى لوحة المفاتيح.. ووجدت نفسي أسترسل في الحديث - أحادي الجانب طبعا - وكتبت قائلة:
الآن وأنا أفكر بالأمر أرى أنه جهازي وأستطيع أن أغيره ولكن أمتي التي تتناحر كيف أغيرها؟! هل يوجد متجر أستطيع أن أشتري منه أمة؟! حتى هيئة الأمم عجزت عن احتوائنا.. ولو أنها بالأصل هيئة ذئاب لا تصلح لغير التآمر والانقضاض على الشعوب والدول!
أعرف ما يجري بداخلكم.. كل هذا اعتذار!
من حرقة قلبي على أمتي.. الإرهاب والوحشية والهمجية تنخر بجسدنا وبدلا من أن نمد أيدينا لنتحد ونواجه نمد أيدينا بخناجر لطعن ظهر بعض.. ونترك من يعيثون في الأرض فسادا يسرحون ويمرحون!
أصبحنا سيرة على لسان كل سفيه في هذا العالم! بأيدي الجهلة والسفاحين قُدم لهم سلاح يحاربون فيه هذا الدين العظيم!، يتداولون فيما بينهم مقاطع القتل والذبح والتنكيل بالجثث ولسان حالهم يقول: انظروا هذا هو دين السلام والمحبة الذي يحدثونكم عنه.. ركزوا على الله أكبر وما يأتي من أفعال بعدها! ترد عليهم أصوات تصرخ وتقول هذا ليس دين الإسلام وهؤلاء لا يمثلون سوى وحشية فكرهم وقادتهم... ولكن ستجدهم يتجاهلون ويعتمون حتى على الأصوات التي تعرف واقع ما يحدث ويعرفون رسالة الإسلام!
ومن الداخل ما يحز في النفس حقاً هذا الغباء المستفحل من قبل الكثير الذين أصابهم العمى ولا يرون أن أول المستهدفين هو الوطن.. ويستمرون في إشاعة الفتن ويبثون سموم الكراهية بين نسيج المجتمع الواحد ويرددون ما نحن سوى مصلحين! بين ليلة وضحاها، كل أصبح مفتيا.. كل أصبح محللا سياسيا.. وصوت العقل والمنطق والإصلاح يختنق.. بينما للأسف الشديد... بل الكارثة الكبرى، نجد أن أصوات التخلف تنعق ويصغى لها!
لا أدري كيف تحولت الكراهية إلى مذهب تتبعه الغالبية! ما الذي يجري لنا أصحبت المحبة تفرق والكراهية تجمع؟! هؤلاء يكرهون أولئك.. وأولئك يكرهون هؤلاء.. منهم من هو مقفل العقل معمي البصيرة ومنهم - وهم الأخطر - من يدعي انتماءه لحرية الرأي والحوار المتمدن أو من يدعي حب الله ورسوله؛ ومع أول نشكة تنبت الأنياب وتظهر المخالب! ومنهم من جيش المشاعر وساند بكل الطرق المتاحة وغير المتاحة الفكر الإرهابي وأعطى له كل الأسماء إلا الإرهاب... وحين وصل إليه أو لنقل اقترب من مساحة أمنه بدأ يصرخ ويطالب بالمحاسبة... صح النوم! إن النيام الذين في غفلة من أمرهم تستطيع أن توقظهم ولكن.. من يمثلون النوم كيف تستطيع أن توقظهم؟! فهم معاكم معاكم عليكم عليكم.. يرفعون أصابعهم في الهواء ليتحسسوا في أي اتجاه تجري الأمور!
من قال إن الكراهية إيمان.. من ضحك على الناس وأفهمهم أن الكراهية وطنية؟! إن تأجيج المشاعر ونشر الفتن والإشاعات في وقت نحن بأمس الحاجة لنكون يدا واحدة في مواجهة أكبر خطر يهدد أمتنا وأوطاننا، بحجة الغاية تبرر الوسيلة.. أو ربما فرصة لتسوية الحسابات... ليس سوى دعم مباشر لأعداء الأمة..
كان ياما كان.. كان رمضان يأتي ومعه الفرح.. كان ياما كان.. كان الناس ذهبا رنانا.. محبة وتعاونا.. جسدا واحدا لنفس الروح.. لنفس الإنسان.. أما اليوم وبعد أن هجرتنا الحكمة وخلعنا ثوب الإنسانية وطغى الطالح على الصالح.. ماذا نقول لك يا أغلى وأعز زائر؟! نخجل منك يا رمضان فقد دخلت على أمة تمسك على تناحر وتفطر على قذيفة! أي صيام هذا وبعض مشغول ببرامج رمضان التلفزيونية منها التافه ومنها المدمر... وبعض تاه في ملاعب البرازيل... والطامة الكبرى ظهور للعلن وبكل وقاحة من يهلل ويكبر لإعلان قيام دولة الذئاب البشرية!
دماؤنا رخصت.. قدسنا تضيع وغزة تقصف والشام تصرخ والعراق يغرق.. ونحن نتصرف وكأننا نعيش على كوكب آخر.. لحظة، حتى على ذاك الكوكب.. نتناحر!
والله لولا الرحمة والإيمان في قلوب طاهرة تقية نقية تصلي وتزكي وتتصدق.. نفوس تنادي بالصلح والحوار والاحتواء.. مجموعات تطوعية تبادر إلى نصرة الفقراء وساكني المخيمات.. تنادي بوحدة الأرض والتاريخ والمصير، لقلت إننا انتهينا.. ولكن بهؤلاء يكمن الأمل.. بصالح أعمالهم نرفع الأكف إلى الله تعالى في هذا الشهر الفضيل أن يرحمنا ويرفع هذه الغمة عن أمتنا.. إنه الرحمن الرحيم سبحانه.
قلبي يحترق ولكن إيماني بوعد الله بنصرة الحق يبقيني متماسكة وكلي أمل.. نعم كلي أمل لأنه رغم كل ما يحدث لأمتي أؤمن بأنها ما زالت عظيمة، ستستيقظ قريبا وتلفظ كل ما ينخر بها من سوس تماماً كما يلفظ البحر أوساخه.
ملاحظة: لم أشتر جهازا جديدا بل أرسلته للتصليح... لم يهن عليّ... ما زال عندي أمل.....
عذرا على الإطالة فقد كانت مجرد فشة خلق.