لكونهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، لذا أعطاهم المساحة الأوسع في التعبير عن فكرهم ،وتأهيل وتعزيز مخزون ألفاظهم وتراكيب لغتهم، وتنمية محصولهم اللفظي وقواعد لسانياتهم وتهذيب أساليبهم، فكان دستور معاشهم ومعادهم وضمان بقاء عربيتهم لما فيه من عذوبة اللفظ ودقة الأداء وقوة المنطق وسحر البيان وإعجاز البلاغة ولذا عمد الشعراء إلى الاقتباس منه واستشراف مراقيه المتعاظمة، وجوهرانيته الملهمة فاقتبسوا من عميق معانيه وإشراق بديعه، والاقتباس لغة طلب القبس والقبس شعلة من نار قال تعالى (إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس) واصطلاحاً أن يتضمن الشعر أو النثر شيئاً مما جاء في القرآن الكريم، أو الحديث الشريف مع جواز بعض التغيير غير المخل في الأثر المقتبس وقد تطرق إلى هذه الدراسة الموسعة والمتخصصة الباحث عبدالهادي الفكيكي الذي يقر أن أحداً لم يسبقه إلى هذا المبحث إلا عبدالملك الثعالبي قبل ألف عام، وقد أورد الباحث نماذج من شعراء العصور المتقدمة، ودون مقاربات وتعاليات لشعراء العصر الحديث، يقول المعري: وإذا الأرض وهي غبراء صارت من دم الطعن وردة كالدهان، اقتبسها من قوله تعالى (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)، ويقول صفي الدين الحلي: ومن دنا وتدلى نحو خالقه.. كقاب قوسين أو أدنى من العنق، اقتبسها من قوله تعالى (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) ويقول الإمام الشافعي: فإن الله خلاق البرايا عنت لجلال هيبته الوجوه _ يقول إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، إشارة لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ويقول الثعالبي إذا صك حرُه حرَ وجهي ربنا اصرف عنا عذاب جهنم، مقتبس من قوله تعالى (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) ويقول المتنبي: كأن كل سؤال في مسامعه قميص يوسف في أجفان يعقوب، مقتبس من قوله تعالى (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً) ويقول أبو تمام: فالله قد ضرب الأقل بنوره مثلا من المشكاة والنبراس، إشارة إلى قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح)، ويقول عمر بن أبي ربيعة: إن الوشاة كثير إن أطعتهم لا يرقبون بنا إلاً ولا ذمما، مقتبس من قوله تعالى (لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة) ومن ضروب الاقتباس ما قاله كمال الدين بن نبيه: قليل الوصل ينفعها فإن لم يصبها وابل منه فطل، إشارة إلى قوله تعالى (فإن لم يصبها وابل فطل) ويقول لسان الدين بن الخطيب لو بدا للحور يوماً وجهه قلنا جل الله ما هذا بشر، مقتبس من قوله تعالى (وقلنا حاشا لله ما هذا بشرا).