أقترح ألا تضع الدولة حسابات موظفيها وتعاملاتها في البنك الذي ليست له إسهامات مجتمعية وتحديدا مدارس وكليات ومستشفيات، وقبل ذلك تعطى البنوك فرصة لا تزيد عن ستة أشهر لتقديم خطتها للإسهامات المجتمعية موضحا بها بدء تنفيذ الخطة

وعن إسهامات البنوك نتحدث مرة أخرى ومرات إذا لزم الأمر، فقد طالعتنا الصحف بتقارير البنوك ربع السنوية والسنوية التي تحمل في طياتها أرباحاً خيالية بالمليارات من خيرات هذا البلد الكريم، ونحن نفرح بهذه التقارير كمجتمع لأنها مؤشر على الإنعاش، ومؤشر على استقرار الوطن الذي ننشغل فيه بكيفية صرف المليارات، ومن حولنا تنصرف الدول للاقتتال والخراب والدمار، ونسأل الله جلت قدرته أن يهدي ضال المسلمين، وأن يمن علينا وعليهم بنعمة الاستقرار والأمن والسلام.
نقول إن أرباح البنوك لا اعتراض عليها، لكن الاعتراض هو انعدام أو -إذا كنا أكثر دقة- تواضع كبير في مساهمة البنوك في الخدمة المجتمعية فلا مدرسة مميزة تابعة لبنك، ولا مستشفى مميزا تابع لبنك ولا جامعة مميزة تابعة لبنك، ولا مساهمة تلفت النظر نظير تلك المليارات التي تجنيها البنوك من المواطنين والوطن ومن خيراته، نراها ونسأل لماذا الصمت على هذه الممارسات المشينة للبنوك، إن هذه الممارسات وجه غير مشرق لهذه المؤسسات العملاقة التي يفترض أن تبادر في إقامة مشروعات خدمية مميزة جداً للمجتمع، لماذا كل شيء على الدولة؟ إنني هنا أناشد رؤساء مجالس الإدارات في البنوك، وإذا لم يستجيبوا فإنني أناشد الدولة في التدخل بقوة لفرض مساهمات فاعلة في إقامة مدارس ومستشفيات وجامعات ومساكن وغيرها مما يحتاج المجتمع من خدمات، وذلك حق للوطن على تلك البنوك وليس منةً منهم، إن ما يحدث هو تقاعس من مجالس الإدارات في البنوك عن صرف جزء من المليارات الضخمة التي تجنيها بنوكهم من الوطن، إن صمت البنوك ومجالس إداراتها ورؤساء تلك المجالس يعنى لنا كوطن أن الوطن لا يستحق المساهمات، هذا هو التفسير الوحيد لعدم مساهمات البنوك في الخدمة المجتمعية للوطن، هل تعرفون مدرسة أو جامعة أو مستشفى أسستها بنوكنا في وطننا الذي تجني أرباحها منه؟
بعبارات أخرى من منا في الوطن لم يسهم في نسبة الأرباح التي تجنيها البنوك؟ البنوك وفق مراكزها المالية التي تنشرها بصفة دورية تجني عشرات المليارات كل عام، والبنوك تستفيد من الوطن والمواطنين بأشكال مختلفة، والبنوك فضل الوطن عليها كبير، ونعرف أن الوطن يحتاج إلى مدارس وجامعات، فإلى وقت قريب وبعض أبنائنا يبحثون عن مقاعد في الجامعات ولا يجدونها، والوطن في أمس الحاجة إلى مستشفيات.. فقد يبقى المريض أياماً دون حصوله على سرير، والدولة هي من يقوم بكل تلك الخدمات إلا إذا استثنينا بعض رجال الأعمال القلة المخلصين الذي أسسوا مدارس ذات مستوى جيد، وأسسوا جامعات وأسسوا مستشفيات.. لو اجتمعت فروع البنوك في كل مدينة وأسست مدرسة وبعض الكليات التي يحتاج إليها سوق العمل لدينا ومستشفى لما أثر ذلك على مداخيلها العالية جداً.. لكن إذا لم تبادر البنوك في المساهمة فلماذا السكوت عليها؟
لماذا نحمل الدولة كل شيء؟ سيأتي وقت لن تكون الدولة قادرة فيه على تحمل كل الخدمات والتوظيف لوحدها، وليس هناك بلد في العالم الدولة هي وحدها من يقوم بكل الخدمات والتوظيف، وأزعم أن المشاكل التي نعاني منها في التعليم بكل مستوياته والصحة والتوظيف سببها وجود الدولة وحدها في الميدان، لماذا لا تخصص البنوك جزءاً من مكاسبها في تقديم خدمات تعليمية وصحية ومساكن تحديداً؟ تنتشر البنوك في طول البلاد وعرضها وتتاجر بودائع المواطنين تستثمرها وتقرضهم بأشكال مختلفة وبنسبة ربح عالية وتودع مكاسبها في خزائنها، لا نفهم أن يعاني الوطن من ندرة المدارس الخاصة المتميزة وندرة الكليات المتميزة التي تساهم بفاعلية وكفاءة عالية في سوق العمل وقلة المستشفيات والبنوك مستمرة في أنانيتها باحتكارها أرباحها لنفسها.
ولهذا اقترح ألا تضع الدولة حسابات موظفيها وتعاملاتها في البنك الذي ليست له إسهامات مجتمعية وتحديدا مدارس وكليات ومستشفيات، وقبل ذلك تعطى البنوك فرصة لا تزيد عن ستة أشهر لتقديم خطتها للمساهمة المجتمعية موضحا بها بدء تنفيذ الخطة، الوطن يعاني من خدمات صحية وتعليمية والبنوك مدللة.
لا بد أن تستشعر البنوك مسؤوليتها تجاه الوطن ومشكلاته، وحل تلك المشكلات في إنشاء مدارس وكليات ومستشفيات، إذا تمت هذه المساهمة من البنوك ستترتب عليها المساهمة في حل مشكلة معقدة أخرى وهي البطالة، هذه المدارس والكليات والمستشفيات ستوظف نسبة لا بأس بها من العاطلين كنتيجة طبيعية للقاعدة الاقتصادية المعروفة: مزيد من الأعمال يؤدي إلى مزيد من التوظيف، مساهمة البنوك في المشاكل الثلاث الرئيسة في الوطن: التعليم والصحة والبطالة ستساهم في حل تلك المشكلات، خصوصاً وأن قوة البنوك المالية ستجعل من المدارس والكليات والمستشفيات التي تؤسسها ذات مستويات عالية، لن تقتصر مساهمة البنوك على التأسيس فقط بل وعلى النوعية، ومن هنا تأتي الأهمية القصوى لمساهمتها، يجب ألا ننتظر طويلاً مساهمات البنوك في المجتمع، خبراء الاقتصاد يقولون إذا قوي المجتمع قويت مؤسساته المالية، بمعنى أن المثل الذي يقول: أمطري أنّى شئت فخراجك آتيني ينطبق هنا على البنوك إن هي أسهمت في هذه المجالات.. إذا ساهمت البنوك في تعليم وصحة المواطن ارتفع دخله وبالتالي ارتفعت أرصدة البنوك واستفادت هي ، وهنا رجاء إلى الدولة ممثلة في وزارة المالية ومؤسسة النقد السعودي في حالة تقاعس البنوك من الاستجابة أن تشرع في إصدار نظام يحتم على البنوك المساهمة في خدمة الجتمع، كلنا نعرف أن البنوك مقصرة ويجب ألا يستمر هذا التقصير.
وخلاصة القول: من غير المعقول أن تستفيد البنوك من المجتمع في مكاسبها العالية جداً ولا تفيده، البنوك قادرة على تأسيس مؤسسات تعليمية وصحية عالية المستوى لا يعود نفعها على المجتمع في تعليمه وصحته بل ستساهم أيضاً كنتيجة طبيعية في خفض نسبة البطالة، وهذه أمور تعرفها البنوك أكثر من أي جهة أخرى، فهل تستجيب البنوك؟ نأمل ذلك، وإلا نرى إجبارها على الاستجابة، نعرف أن رؤساء مجالس البنوك من الناس الخيرين، نعرف أسماءهم وانتماءاتهم الوطنية الإيجابية، وأرجو أن ينطلقوا من هاتين القيمتين العظيمتين للمسارعة في مساهمة بنوكهم في إقامة مشروعات مجتمعية فاعلة للوطن.