لدي قناعة قديمة أن أميركا ليست النموذج المثالي في كل قرار تتخذه حيال قضايا العالم المختلفة، بل لدي من الأمثلة ما يؤكد أن أميركا كانت سببا وراء الكثير من المشاكل والمآسي بسبب مواقفها غير العادلة تارة، وبسبب فشلها وسوء إدارتها لبعض القضايا تارة أخرى، فالتاريخ البعيد والقريب يثبت لنا أنه لا ينبغي الاعتقاد بأن الرأي الأميركي أوالقرار الأميركي سديد دائما، كما ولا ينبغي تفسير تلك الأخطاء الأميركية بأنها متعمدة لأهداف غير مرئية أو لخلق واقع جديد أو لتحقيق مصالح لها هنا أو هناك، لأن الواقع يقول إن أميركا تفشل كما يفشل غيرها، وتخطئ كما يخطئ غيرها، وتكون غبية كثيرا أيضا كغيرها، وأنها لمرات عديدة تقرأ الواقع والمستقبل قراءة غير صحيحة، وأن محلليها واستخباراتها فشلا في تفسير عدد ليس بقليل من القضايا والأحداث، وما كان هناك من حل وإنقاذ لتلك الأخطاء إلا باستخدام القوة العسكرية والنفوذ العالمي.
آخر ما قرأت في هذا الجانب إجماع الخبراء والمحللون على أن الأوضاع التي آل إليها العراق كان سببها الرئيس الغزو الأميركي له عام 2003 إلى جانب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الرئيس بوش في حل الجيش العراقي واجتثاث البعث، وأن إدارة أوباما لم تسلم من الانتقادات وخصوصا هوسه بسحب القوات الأميركية وإغلاق ملف العراق وعدم قدرته على توقيع اتفاق يبقي خبراء أميركيين أو حتى تأييد إدارته لانتخاب رئيس الوزراء الحالي مرتين، والآن تجد الإدارة نفسها متهمةً بالإهمالِ الدبلوماسي والسياسي، وليس فقط العسكري.
فكين صوفير، وهو محلل سياسي في مركز التقدم الأميركي وهو مركز بحث محسوب على الديمقراطيين، يقول إن الإدارة كانت تواقة لسحب آخر جندي أميركي ووقف الحرب في العراق لدرجة جعلتها تتغاضى عن سلوك رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان يجنح إلى الطائفية، لأنها لم تبالِ كثيرا وحتى حين أخفقت في التوصل إلى اتفاق يبقي عدداً من الخبراء العسكريين بعد الانسحاب.
وفي السياق ذاته هناك أصوات ليبرالية مؤيدة للديمقراطيين قالت إن أخطاء الإدارة متعددة، ومنها التغاضي العلني عن أسلوب المالكي في الحكم ونزعاته الطائفية كما يقول المحللون.
ويبدو أن الإدارة لم تكن تريد إغضاب إيران فغضت الطَّرف عن الاعتقالات المتواصلة للقادة السنة ومحاولة ربطهم بالإرهاب ما أدى إلى انتفاضة كاملة للعشائر السنية واستفادة داعش من هذا الاستقطاب.
أيضا بيتر بيرنات وهو محلل ليبرالي كتب على موقع الأتلانيك أن اختبار المالكي الأول للإدارة الأميركية كان في اعتقال رافع العيساوي وزير المالية السابق والمعروف بالاعتدال، ومن ثم إطلاق الأحكام ضد طارق الهاشمي وصالح المطلق ومحاولة إدارة المالكي إلصاق تهمة الإرهاب بهما، ولم تقلق الإدارة الأميركية كثيرا حسب رأي الكاتب بل قيل آنذاك إن المالكي خرج من الاجتماع وقال لمعاونيه أترون أن أميركا غير مكترثة.
كثيرة هي الآراء والتحليلات من داخل أميركا التي تثبت أن السياسة الأميركية تجاه الكثير من القضايا فاشلة وغبية ومنها ما تعانيه منطقتنا حاليا، ولهذا ينبغي علينا وعلى دول المنطقة عدم التعويل كثيرا على السياسة الأميركية التي أثبتت فشلها وغباءها وكانت سببا في توريط الكثير من الدول والشعوب بما هم عليه من ضياع وحروب ودمار.