انتخب البريطانيون ديفيد كامرون رئيسا للوزراء لعدة أسباب أهمها أنه وعدهم بخفض أعداد المهاجرين، ومنذ أول لحظة لتسلمه إدارة البلاد تغيرت قوانين الهجرة التي شملت إقامة وتأشيرات الطلاب الأجانب، وخلال أعوام تأثر عدد المهاجرين سنوياً لبريطانيا لكن لسوء الحظ كان التأثير الأهم من نصيب أرقام الطلاب الدارسين، حيث أصبح الطلاب يفضلون الدراسة في أميركا وكندا وأستراليا بسبب مرونة الفيز وسهولة الإجراء بالمقارنة مع الفيزا البريطانية التي تستلزم تغييرها لو غيرت الجامعة أو المعهد وتتكبد خسائر أخرى ناهيك عن عدم استفادة بعض الطلاب من إقامتهم لعدم السماح لهم بالعمل كما أميركا مثلاً.
سقط الرقم من 370 ألف طالب سنوياً إلى 170 ألف طالب مما أصاب الجامعات ومدارس اللغة بالصدمة في نفس الوقت الذي وجد فيه كامرون نفسه في مأزق، فالرجل الذي وعد بأرقام صغيرة لعدد المهاجرين قبل انتخابات 2014 اكتشف أن وجود بلده عضواً في الاتحاد الأوروبي يفرض عليه تقبل غجر رومانيا وبلغاريا ليستيقظ البريطانيون على وجود هؤلاء في الحدائق العامة والشوارع وجلهم متسولون وأميون، وفوق ذلك كله تسببوا في رفع الأرقام.
اليوم يعيش البريطانيون على أمل أن ينتخبوا نايجل فراج زعيم حزب الاستقلال الرجل الذي وعد بحل عاجل للأزمة يتمثل في الخروج من الاتحاد الأوروبي وبالتالي إخراج الأوروبيين الذين يمنحهم الاتحاد مميزات تجعل أموال دافعي الضرائب البريطانيين تصب في جيوب الأوروبيين.
رجال السياسة لا يستطيعون تحقيق مكاسبهم إلا بإغراء الناس بوعود تحقيق مطالبهم وفي بريطانيا المطلب الأهم خروج المهاجرين، وفي الواقع الصحف تشجع هذه المطالب حتى أنها على استحياء نشرت خبراً يقول إن المهاجرين لا يؤثرون على فرصة البريطانيين في العمل، وفي المقابل تنشر يومياً عشرات المقالات التي تنقل انطباعات أصحابها عن مناطق مثل شمال لندن حيث يتمركز اليهود ومدارسهم الدينية، وغرب لندن حيث الهنود في ساوثل وشرق لندن حيث العصابات الأفريقية، وبعض مناطق الصومال، مع سؤال حزين هل هذه لندن مدينتنا؟
دعونا نقول إنه بالإضافة لدور السياسيين وأجهزة الإعلام في تغذية العنصرية، علماء الاجتماع يقولون إن وجود الكثير من الأجانب في بلد ما يتسبب بانخفاض نسبة التسامح وظهور العنصرية خاصة بين عامة الناس بغض النظر عن كون الأجانب يسيئون للبلد أو لا، ولو تحدثنا بلغة الأرقام عن أعداد المهاجرين سنصاب بالصدمة فسنوياً يدخل بريطانيا الآلاف ولا يعودون لأوطانهم، بل إن هناك رقما كبيرا لمن يعيش بشكل غير قانوني منذ عقود ولم تطله يد الحكومة، ولو سرت في الشارع في لندن ستكون مفاجأة لو سمعت إنجليزية حقيقية وليست إنجليزية هندية أو أفريقية.
نأتي الآن لسؤالنا هل الشعب البريطاني عنصري؟ في رأيي الشخصي حتى لو رغبوا مع كل هذه المؤثرات لن يقدروا لأن القانون قوي وصارم مع العنصرية، لقد عانى الناس من عدم العدالة وانتهاك حقوق الإنسان لذا هم في هذه القضايا صارمون جداً، لذا مجرد قولك عن شخص إنه يعاملك بسبب لونك أو جنسك أو دينك أو لبسك سيعني أنك قضيت عليه لو ثبت اتهامك له، لكن هذا لا يعني أن بعض التصرفات التي يظهرها البريطانيون ليست عنصرية خاصة إذا لم توجد رقابة أو لم يبلغ أحد، حيث يظهر الإنسان على حقيقته التي صنعتها المؤثرات التي ذكرتها أعلاه.
في الحقيقة هناك في بريطانيا من تعاني من عنصريتهم وليسوا بريطانيين أصلاً كالهنود غير المسلمين والجامايكيين؛ حيث هؤلاء أكثر من يتصرف بفظاظة معك كأجنبي ربما لأنهم يظنون أنك تريد أخذ نصيبهم من الكعكة، أو لأنهم أصلا هكذا أسلوبهم وطريقتهم في التعايش ولم تكسبهم معاشرة الإنجليز درجة التهذيب الإنجليزية العالية جداً.
الذي جعلني أكتب هذا المقال هو حادثة ناهد المانع -رحمها الله- ومحاولة اعتبارها جريمة عنصرية، لكن علمنا أن شاباً بريطانياً أبيض قتل بنفس الطريقة في نفس الشارع، وإذا تصفحنا الصحف البريطانية وجدنا يومياً تقريباً تحدث جريمة كالجريمة التي ذهبت ناهد ضحيتها، وإحداها مقتل أم أمام ناظري ابنها تسع سنوات ومقتل مراهقة ذهبت لتزور جدتها ..الخ من حوادث لندن التي تنشرها صحفها يومياً.
كثرت الجرائم في المملكة المتحدة ربما بسبب الخمور والمخدرات وتأثيرها على الناس، في الواقع نحن -المسلمين- لابد أن نحمد الله على تحريمها فتأثيرها على الإنسان بالغ جداً ليس فقط كإدمان بل بإخراج تصرفاته عن النسق الإنساني ليبدو شرساً كحيوان الغاب أو ضعيفاً متحطماً يسأل الغرباء في الباص أن يضموه أو يستمعوا لشكواه.