يجب أن تكون هناك دراسات لواقع مناهجنا، وطلابنا، ومدارسنا، ومعلمينا، لنتعرف على الطموحات، والتطلعات في مجال المناهج، بجانب الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال مع توظيف حقيقي للتقنية ونتاجاتها المختلفة
في مقال سابق ناقشت بعض الجوانب التي يجب التركيز عليها في أثناء تنفيذ مراحل مشروع تطوير التعليم العام الذي دعمه خادم الحرمين الشريفين بمبلغ ثمانين مليون ريال على مدى السنوات الخمس القادمة، وفي هذا المقال سيتم مناقشة الجوانب الأخرى التي لم تتسع لها المساحة في المقال السابق، ومن هذه المجالات التي هي بحاجة ملحة للتطوير مجال التطوير الإداري للقائمين بالأعمال الإدارية في المدارس من خلال تقديم دورات تدريبية نوعية لهم، والتخلص من المديرين التقليديين الذين لهم في الإدارة المدرسية عقود زمنية من دون تطوير، أو تجديد يذكر، ومن آليات التطوير أيضا في هذا المجال هو تعيين مديري مدارس ممن تتوافر فيهم صفاة القيادة لا الإدارة، كما أن الحاجة ملحة لإيجاد آليات يتم تفعيلها في اختيار مديري المدارس ووكلائهم بعيدا عن المحسوبيات، والشفاعات التي يتم توظيفها في بعض الأوقات، كما هناك حاجة لإعادة النظر في المدة الزمنية لكل مدير مكلف، والمخصصات، والمميزات المختلفة لهم، وهنا أرى أن الجهاز الإداري في مدارسنا بحاجة إلى نظرة مختلفة عما هي عليه من حيث آليات الترشيح، والصلاحيات، والمهام الوظيفية، والدورات التدريبية.
أما الإشراف التربوي كمفهوم، وكمشرفين فقد مر بمراحل مختلفة وانتهى إلى مرحلة لا يقوم فيها المشرف بأي عمل تربوي، أو إشرافي، أو تعليمي بشكل واضح، ومحدد، بل ما يقوم به في الغالب دور المراقب، وأعتقد أن بعض المشرفين ينظرون إلى الإشراف على أنه استراحة محارب، فكثير من المشرفين بحاجة إلى تغيير مفهوم الإشراف التربوي لديهم بحيث يكون المشرف هو المرجعية التربوية، والتخصصية للمعلم، ويقوم بدور المستشار في المجالات التربوية والتعليمية، ودوره محوري في العملية التعليمية في مراحلها المختلفة.
وعند الحديث عن المناهج وتطويرها فلن أطيل في عرض ما أراه مناسبا لتطوير، أو تغيير المناهج في نظامنا التعليمي، وأعتقد أننا بحاجة لعرض تطوير مناهج التعليم العام على فرق، أو مجموعات من المهتمين بهذا المجال، والمتخصصين فيه في الجامعات السعودية، أو الجهات المتخصصة في التطوير التربوي، ويتم تقديم مقترحات لتطوير المناهج في المراحل التعليمية المختلفة، ويتم اختيار أفضل مقترح من قبل لجان عليا مخصصة لهذا المجال، ويتم ترسية التطوير على أصحاب المقترحات الفائزة، ويتم ذلك وفق عقود مخصصة، ويتطلب أن تكون هناك دراسات لواقع مناهجنا، وطلابنا، ومدارسنا، ومعلمينا، والتعرف على الطموحات، والتطلعات في مجال المناهج، وأن تكون هناك استفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال مع توظيف حقيقي للتقنية ونتاجاتها المختلفة في أثناء تطوير أو بناء هذه المناهج.
وعند الحديث عن البيئة المدرسية فنحن بحاجة إلى مبان مدرسية حكومية بدلا من المباني المستأجرة التي لن نستغني عنها في وقت قريب لأنه لا يوجد لدينا دراسات استشرافية دقيقة عن الاحتياج الحقيقي للمدارس، ونظرا لأن المملكة تعيش طفرة سكانية كبيرة جدا، لذا فإن أغلب مدارسنا - حتى الحكومية منها - لا تعد بيئة تعليمية جاذبة للطلاب لعدم توافر بعض المتطلبات التي يحتاجها الطلاب من ملاعب مجهزة، ومراكز مصادر للتعلم فاعلة، ومن تقنيات تعليمية متاحة، كما أن المقاصف المدرسية لا توفر الغذاء المناسب للطلاب مما يدفع بعدد من الطلاب للخروج في وقت الفسحة للحصول على ما يحتاجونه من المحلات القريبة من مدارسهم، لذا أرى أن نماذج المدارس الذي يتم تطبيقه حاليا في أثناء البناء لم يعد مناسبا لاحتياجات الطلاب في هذه الأيام ولا يلبي متطلباتهم، وهذه النماذج بحاجة لدراسة وإعادة نظر من جهات متخصصة تقدم نماذج مختلفة، ويتم اختيار الأفضل منها، وتعميمه على مدارسنا وفق مستويات، أو نماذج مختلفة تناسب أعداد الطلاب، ومراحلهم التعليمية.
ويجب ألا ننسى أن التطوير، أو التغيير في المجالات السابقة دون أن يكون هناك اهتمام بالجودة في جميع الجوانب التربوية في مراحل التعليم المختلفة قد يؤدي إلى الهدر التربوي، وعدم تحقيق الأهداف التعليمية، ومن ثم قد يكون هناك هدر كبير فيما ينفق على التعليم، وهذا يتطلب أن تكون هناك معايير، ومؤشرات يتم الرجوع إليها كمحك، أو كمرجع للتأكد من أن جميع مدخلات ومخرجات العملية التعليمية حققت الأهداف المخطط لها بدرجة عالية من الجودة، والتوقعات من هيئة تقويم التعليم العام عالية جدا للعمل في هذا المجال من خلال تحديد معايير، ومؤشرات للتعليم العام للعمل في ضوئها، ولتتحق تطلعات كل من المتعلم، والمعلم، وولي الأمر، ولكي يكون خريج التعليم العام جاهزا لسوق العمل، أو لمواصلة تعليمه الجامعي، أو المهني، ومعدا إعدادا حقيقيا يخفف العبء على الجهات التي سيلتحق بها في المستقبل.