الجميع في العالم الآخر قادرون على طرح آرائهم. شخص يملك وجهة نظر مقنعة تجاه تصادم الجزيئات، بإمكانه طرحها في أهم منبر علمي دون أن يصادر أحد حقه في ذلك.
وشخص آخر يرى أن الكرة الأرضية تحمل في جوفها شياطين تتعاون مع حكومته لتصنع المشاكل، كي تقوم الأخيرة بنشرها حول العالم، بإمكانه طرح وجهة نظره من على طاولة مقهى غالباً، أو من أحد أقسام العزل النفسي في مصحة دون أن يصادر أحد حقه في ذلك.
وهنا يكمن مصدر التوازن في حضارتهم، منح الإنسان الحق في طرح وجهة النظر، ومنح الإنسان الآخر الحق في احترامها، من عدمه.
ومصدر عدم توازن ضخم حين يعتقد الجميع أن وجهات نظرهم يجب أن تكون على القدر نفسه من الأهمية، وتحصل على المقدار نفسه من الاحترام.
الأمر الذى أدى إلى مصادفتك لمواطن يحاول دفع وجهة نظرة من تحت باب منزلك، وآخر يضعها على المساحات كي تحصل عليها عند الوصول لسيارتك.
أحد الزملاء خرج في مشوار قريب إلى البنك المجاور مرتدياً زيه الطبي ورداءه الأبيض. ليصادف شخصاً في مقاعد الانتظار بدأ بالحديث معه عن الفيروس كورونا، وانتهى إلى أن قدم له نصائح وقائية، ووصفات مختلفة لعلاج هذا المرض. يكمل لي القصة – وهو طبيب متخصص في الأمراض المعدية - بأنه لم يسبق أن شاهد أحدا يتحدث بمثل هذه الثقة، ولا حتى في أعرق المجلات الطبية.
إن كانت خلفياته الثقافية صهرها واتس أب، ومرجعيته العلمية اختبرت آخر مرة في امتحان مادة الحديث في الصف الثالث متوسط. يعتقد أن وجهة نظره حق مكتسب، ويجب أن يتم عرضها على الجميع، ويرى أن اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية! على الرغم من أن أول مرة سمع فيها هذا المصطلح – كلمة قضية - كانت في قسم الشرطة أثناء سير إجراءات التحقيق في قضية مضاربة وإطلاق نار كان طرفاً فيها.