المشكلة في التعليم السعودي في السنين الماضية أنه تعليم بلا استراتيجية ولا غايات وأهداف وطنية واضحة ودقيقة مرتبطة بالوضع الداخلي والخارجي للدولة على المدى الطويل والمستقبلي، بحيث يعمل الجميع عليها ويوجه كل إمكاناته البشرية والمادية إلى تحقيقها

قرأت ما كتبه الأستاذ جميل الذيابي والدكتور علي الموسى عن أن حل مشكلة التعليم في كوريا، مثل ما ركض الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله - للبحث عن حل مشكلة التعليم في اليابان ولم يتمكن من تحويل تعليمنا إلى تعليم يحاكي مستويات التعليم الياباني، فلم ولن يكن الحل من الخارج والمشكلة في الداخل، وفي علم التعليم الدولي المقارن، كل دولة لها نظام سياسي وإمكانات وظروف تختلف من دولة إلى دولة ولها معطيات متعددة ونظامها السياسي هو المسؤول عن الأنظمة الحكومية في الدولة التي ترتبط بغاية وطنية عليا، بعدها تتجه الدولة إلى نظام التعليم ليتكامل مع بقية أنظمة الدولة في تحقيق الغاية الوطنية، كوريا لها غايات محلية ودولية تعمل كل مؤسساتها على تحقيقها وهي غايات صناعية وتجارية واقتصادية وتعليمية ولهذا سخرت كل إمكاناتها لتحويل مجتمعها إلى مجتمع منتج من الفرد حتى الأسرة والمجتمع وكل المؤسسات الوطنية، وانطلقت من مرجعية وطنية موحدة تقوم على الديموقراطية بحيث يعمل كل في مجاله متكاملا مع غيره من المؤسسات الوطنية وبتنسيق عال جدا يحد من الهدر المادي والبشري ويراعي المصلحة الوطنية، وكل ذلك تحت رقابة صارمة لجميع عناصر التطوير والتوطين والإنتاج، ولهذا لا يمكن مقارنة كوريا أو اليابان بالسعودية مهما بالغنا في التنظير الأكاديمي أو زايدنا في الإعلام، المشكلة في التعليم السعودي في السنين الماضية أنه تعليم بلا استراتيجية ولا غايات وأهداف وطنية واضحة ودقيقة مرتبطة بالوضع الداخلي والخارجي للدولة على المدى الطويل والمستقبلي، بحيث يعمل الجميع عليها ويوجه كل إمكاناته البشرية والمادية إلى تحقيقها، السعودية بلد رزقه الله بالمال الذي جاء بشكل يختلف عن معظم دول العالم التي تبحث وتعمل للحصول على المال من خلال الصناعة والزراعة والتجارة والابتكار والتسويق والتطوير والتعليم النوعي والرقابة الصارمة لمؤسساتها الوطنية ومنتجاتها المختلفة.
نحن في المملكة هاجسنا الأول والأخير أمني وديني حتى على مستوى التعليم ولهذا فلن نتمكن من أن نحاكي الدول المتقدمة، نحن مشكلتنا في الداخل، المال متوفر والكوادر متوفرة، تنقصنا الرؤية الثاقبة وشجاعة الشجعان على تحقيقها، حاول البعض أن يحاكي كوريا من قبل فأسس وادي الرياض للتقنية وشبهه بسامسونج الكورية، ثم أنتج غزالا، والآن أوقاف تلك الجامعة متوقفة، لماذا؟ إذن المشكلة وأيضا الحل ليسا في الخارج إنها جميعا - الحلول والمشاكل - في الداخل، نستطيع تحويل السعودية إلى رقم صعب للغاية، لن نقول تخلص من الحرس القديم ولا نطالب أن تهدم الجهود التي وصلت إليكم عبر تراكمات وجهود لا حدود لها، السعودية بحاجة إلى فريق عمل وطني برئاسة سمو وزير التربية وبشراكة الوزارات الأخرى ويعكف على وضع استراتيجية خلال فترة محددة ويطرحها للنقاش والحوار وتحتوي الخطة على الهدف الاستراتيجي للدولة التي ترغب في تحقيقه، والسؤال، هل ترغب الدولة أن تكون دولة صناعية أو تجارية أو زراعية أو غيرها، نحتاج لهدف استراتيجي توضع بموجبه جميع السياسات والخطط التي يجب أن تتكامل مع بعضها لتحقيقه، التعليم مسؤولية مشتركة بين الجميع، ولكنه مشكلة للجميع أيضا، لا نريد تضييع الوقت في الكلام الجانبي وفي أعراض المرض وكيفية علاجه، نريد مخططا واضحا فيه مدخلات وعملية إنتاج ومنتج وجميعها يخضع للتقييم، وبها نظام طرد داخلي لكل معوقات الإنتاج، نقول التعليم هو الذي يبني المواطن الصالح، ويعيد إنتاج المجتمع، ويؤهل الكوادر الوطنية، ولكن بعد أن يتخذ القرار السياسي بوضع التعليم في حالة استنفار قصوى، نعم التعليم هو الحل ولكن بطريقتنا وعلى قدر غاياتنا وأهدافنا واحتياجاتنا، لو يعلم البعض كم شركة دولية تحاول أن تلج إلى مدارسنا ومناهجنا وأنظمتنا التعليمية، ولا هدف لها سوى الربح، لا نريد أن نسرد بعض تجارب الدول التي شرقت وغربت ثم غرقت في عقود وشراكات سوف تدفع ثمنها الأجيال القادمة.
مرة أخرى في السعودية من المختصين من يستطيع أن يحل المشكلة ويضع مخططا للتعليم ينتج مخرجات منافسة في جميع الميادين التخصصية ويضبط الجودة، ويستطيع أن يضع نظاما تعليميا دقيقا يشخص حالة كل طالب وطالبة في أي مدرسة، ويوجد لها الحلول المناسبة بكفاءة وجودة عالية ويربطها بسوق العمل.
لم نزل نراهن على الخارج ونبحث فيه عن الحلول وعن الاعتراف بنجاحنا وتقدمنا، وأشغلنا أنفسنا بالتقارير الدولية وبنظرة الخارج لنا، ولكننا لم نهتم بكيف نصلح نحن وننظر إلى أنفسنا بمعاييرنا ومقاييسنا، وكيف يجب أن نقيم مؤسساتنا ونعمل على تطويرها وإصلاحها وبتر الأعضاء الفاسدة فيها حتى لا تعتل بقية الأعضاء السليمة.
نعم نحتاج إلى الخروج بمؤسساتنا التعليمية من مرحلة الضمان الاجتماعي وضمان الوظيفة إلى مرحلة البقاء للأصلح، لقد صار المواطن المنتج يهرب أو يخرج عنوة والبقاء للأضعف دائما، تعليمنا فقط يبحث عن الأرقام دون تحليلها والتعرف على معانيها ومصداقيتها وتوظيفها للتطوير. ومن تجربتي في عام 2000 كنت عميدا لكلية التربية لمدة عامين، عرفت أن المشكلة فينا نحن أعضاء هيئة التدريس بادرت بعقد دورة لتطوير الأداء المهني وغضب الزملاء ولكنهم بعدها عرفوا قيمة تلك الدورة التي أنتجت دورات في التدريس والاختبارات ثم أتبعناها بتقييم عن كل شيء، وقد كشفت التقارير المتتالية المستور وتعرفنا على الخلل وكيفية معالجته وتغيرت النتائج وطريقة الإنتاج وانتظمت الأمور في وقت قصير ولم يكن يعرف الحديث في تلك المرحلة عن الجودة والنوعية والاعتماد الأكاديمي، وخضنا مع جامعة دمشق تجربة مماثلة وكل شيء موثق، ولهذا يمكن أن نعتمد على الكوادر الوطنية إذا صلحت النية وتبعتها قرارات وطنية شجاعة.