تحفظ المملكة على بعض بنود الاتفاقية، إجراء قانوني، كما أن إدراج دعم الاتفاقيات الدولية ضمن خطط التنمية الوطنية، لا يتعارض مع التحفظات، بل على العكس من ذلك، يدل على الالتزام الأدبي والأخلاقي والاهتمام بحقوق المرأة
من الموضوعات المهمة التي أثارت سجالاً واسعاً بين الأعضاء في مجلس الشورى، موضوع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، حيث تقدمت إحدى العضوات بطلب حذف دعم هذه الاتفاقيات من هدف تمكين المرأة، الذي يأتي واحدا من 22 هدفا رئيسا تضمنتها خطة التنمية العاشرة.
ومن أبرز الأسباب التي دعت إلى المطالبة بحذف تلك العبارة من الخطة، هو عدم تقييدها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى المخاوف من أن يكون ذلك مدخلا لرفع التحفظات التي أبدتها المملكة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وبالتالي قبول هذه الاتفاقية بشكل مطلق والالتزام بما جاء فيها وإدخال المملكة في معضلة تطبيق بنود سبق أن تحفظت عليها!
والرأي السابق في الحقيقة هو ما يراه بعض الفقهاء ورجال الدين، من أن حقوق المرأة قد روعيت بأفضل وجه في الأحكام الشرعية التي ضمنت جميع ما تحتاجه المرأة من حقوق وعدالة تنسجم مع وضعها النفسي والطبيعي، بحيث لا يمكن العمل على صياغة قوانين ومقررات جديدة أفضل مما ورد في الشريعة الإسلامية، وهناك فرق بين القانون الإلهي الموجود في القرآن والسنة، وبين القانون الوضعي الذي هو من صنع البشر، والذي لا يخلو من الهوى والمؤثرات العاطفية، بينما خالق الإنسان هو أعلم بما خلق وأرحم بالإنسان من نفسه.
وعلى هذا الأساس، فإن بعض بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة تنافي أحكام الشريعة الإسلامية، وإدراجها ضمن خطط التنمية الوطنية يعني القبول المطلق بهذه المخالفات علاوةً على تأييدها ودعمها، وبالتالي فتح المجال أمام المنظمات الدولية للضغط على المملكة في الالتزام بتنفيذ هذه البنود على أرض الواقع.
وهذا معناه القبول بإلغاء تعدد الزوجات وقوامة الرجل والولاية والحجاب والإرث وإعطاء المرأة حق التصرف في جسدها، وحق الزواج من كافر، وحق الخروج من البيت والاختلاط مع الرجال وغيرها من مخالفات الدين والشريعة، وبالتالي يجب رفض مثل هذه الاتفاقيات والانسحاب منها.
وهناك من الفقهاء من كان أقل تشدداً، فالبعض يرى اشتمال الاتفاقية على بنود تتفق مع روح الإسلام، وبنود أخرى تخالف مسلمات شرعية، وعليه يجب أن تكون هناك دراسة متعمقة للاتفاقية والبروتوكول الإضافي الملحق بها، وإيضاح جوانب التوافق والتعارض مع الشريعة الإسلامية في كل مادة من موادها، وعرض نتائج الدراسة على الهيئات الشرعية.
ومما سبق، يتضح أن مضمون الخطاب الديني السائد يرفض اتفاقية سيداو، الأمر الذي سوف ينعكس بالسلب على القوانين والأنظمة الجديدة التي تتعلق بحقوق وتمكين المرأة، والدليل على ذلك الاعتراض على إدراج دعم الاتفاقيات الدولية في خطة التنمية العاشرة، بحجة عدم تقييدها بالشريعة الإسلامية، وإحراج المملكة أمام المنظمات الدولية.
ولو سألنا المعترضين: ما البدائل المطروحة للمشاكل الاجتماعية المعاصرة التي تعانيها المرأة من وجهة نظر شرعية؟ وما نوع الإحراج السياسي الذي سوف يواجه المملكة أمام المجتمع الدولي؟
للأسف بدأ البعض اليوم يستخدم عبارة الضغط الدولي كنوع من الضغط على السلطات التشريعية في الدولة، حتى لا تتم الموافقة على مثل هذه الاتفاقيات، ويتجاهلون في نفس الوقت الصفة القانونية للاتفاقيات الدولية، التي تأتي بنودها بصيغة عامة ومن دون تفصيل، وفي أغلب الأحيان تواجه الصيغة العامة والكلية للحقوق بعض الاستثناءات أو تتعارض مع قوانين أخرى كلية، ولكن تتكفل القوانين الفرعية حسب احتياجات كل مجتمع وظروفه لحل هذه الإشكاليات بحيث تصل إلى أفضل الممارسات، واتفاقية سيداو تمثل إطارا نموذجيا مثاليا وإرشاديا لحقوق المرأة، بحيث تسعى الدول إلى تحقيق وتشريع أفضل القوانين التي تحمي المرأة وليس معنى ذلك الالتزام الحرفي بما جاء في الاتفاقية.
وبالتالي فإن تحفظ المملكة على بعض بنود الاتفاقية، إجراء قانوني، كما أن إدراج دعم الاتفاقيات الدولية ضمن خطط التنمية الوطنية، لا يتعارض مع هذه التحفظات، بل على العكس من ذلك، يدل على الالتزام الأدبي والأخلاقي والاهتمام بحقوق المرأة في المملكة.
أما بخصوص التوافق مع الشريعة الإسلامية، فإن أصحاب الاتجاه المعارض ينطلقون في دفاعهم الفقهي من خلال مسبوقات فكرية وأصول موضوعة تدفعهم إلى اختيار هذا الرأي، وهم لا يفرقون بين الإسلام كشريعة ربانية، وبين آراء الفقهاء القدامى بخصوص المرأة، وبالتالي يتجاهلون تنوع المرجعيات الفكرية لدى الفقهاء وتابعية الأحكام لمتغيرات الزمان والمكان والأجواء الثقافية لكل عصر من العصور.
وهذا ما لم يلحظه أصحاب الرأي المعارض للاتفاقيات الدولية وبعض رجال الدين اليوم، فهم يتصورون أن جميع الأحكام الإسلامية الواردة في التراث الفقهي صادرة من السماء، ولم يلتفتوا إلى أنها أفكار ورؤى بشرية يدخل العرف الاجتماعي في صياغتها.
فالقرآن الكريم على سبيل المثال يقرر حقيقة دينية في أكثر من آية في مساواة المرأة مع الرجل في الإنسانية والحقوق الفطرية، وبالتالي تكون هذه الآيات هي الأصل والأساس والحاكمة على سائر التشريعات الفرعية، وتفسير هذه التشريعات يختلف من مذهب إلى آخر، ومن فقيه إلى آخر حسب الظروف السائدة، كما أنها تتغير بتغير الزمان والمكان حسب ذهنية الفقيه عن المرأة والتي تؤثر في صياغة التشريعات الحقوقية على مستوى الحكم الفقهي.
وعليه، فإنه من الخطأ أن يتم عرض مستجدات واقع المرأة في المجتمع ومقارنتها بآراء قديمة في الموروث الفقهي، والذي لا يدل بالضرورة على مطابقته مع العدالة، كما أن هذا الموروث غير قابل للوقوف أمام تحديات الواقع في وقتنا الحاضر، والمجتمع بحاجة إلى أفكار ورؤى جديدة تعمل على حل المشاكل التي تعاني منها المرأة وتحمي حقوقها التي أقرتها الشريعة الإسلامية لها، وليكن المنطلق اتفاقية سيداو التي أفرزها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان فيما يخص المرأة.