أحيانا دون أن ننتبه، نتعرض إلى عمليات غسل ذوقي. نتحول لصدى إعجابي وببغائي وافي الشروط ومكتمل الأحكام، لا يناقش ولا يجادل، طيع ومهادن بما يتنافى جذريا وضديا مع مهمة المعرفة وواجبات الوعي، ويؤدي إلى خلق ترددات في الأطراف المحكومة بوهم المركز وجاذبيته، وتتعاظم الحيرات المتسائلة حينما يرتبط الأمر بما ينجز ثقافيا وكتابيا، والشائع في الصحافة الثقافية العربية أن ثمة مافيات وعصابات ثقافية تتحرك وتنجز بشكل قطيعي جمعي، تؤمن بالإرهاب الذوقي الثقافي وتصنيم الأسماء لها.
كي أكون أكثر وضوحا ومباشرة أتساءل: ما الذي أنجزه د.عبدالعزيز المقالح مثلا؛ كي يحظى بكل هذا الحضور والتردد لولا مقدمته لأعمال الشاعر الراحل أمل دنقل؟! وماذا غير ذلك شعرا ونقدا؟! لا أعتقد أن شيئا يستحق التذكر والتوقف عنده.
حالة تدفق مرضية كالتي ينجزها إبراهيم نصر الله أليست أولى للمواجهة والنقد والتصديات؟، لماذا تتسامح حركة ثقافية مع هذا النمط السلوكي الكتابي المجاني، لولا أن ثمة تواطؤات ومحسوبيات وغض بصر.
غسان كنفاني هل كان سيحتاج منا وقتا كثيرا للتوقف عند منجزه الكتابي لولا ظروف رحيله اغتيالا؟! جورج حاوي، ووديع سعادة، معين بسيسو، جابر عصفور، وآخرون لديهم حصانات وفرتها ظروف. محمود درويش ومظفر النواب وأحلام مستغانمي كل هؤلاء لم يتجرأ أحد على الاقتراب منهم، مضوا في المسألة كأجمل ما تكون الرحلات دون إزعاج ولا نقد ولا مواجهات بما يثبت أننا ضحايا فعليون لعملية تأثير هائلة، شجعها ودفعها لمشروعها استسلامنا ووداعتنا، تسليمنا الذوقي والثقافي، واهتراءات النقد ومجانية الصحافة، وحالة التوارث المحكومة بها بعض الذهنيات الأقلوية العصبوية.