إن مقابرنا بحاجة إلى تسوير مُحْكم ينقذ الأموات من الحيوانات الضالة، ومن رعي المواشي، ومن أطماع الأحياء، لأن للأموات حرمة وكرامة مثل حرمتهم وكرامتهم أحياء، وذلك يتطلب وجود جهة مسؤولة عن هذه المقابر

قد يستغرب القارئ الكريم عنوان هذا المقال؛ فالميت ليس بحاجة لعملية إنقاذ، وأما الأحياء، أو الذين فيهم أمل للحياة فهم من يحتاجون الإنقاذ، ومع ذلك فهناك الكثير من الأموات بحاجة للإنقاذ من تصرفات بعض الأفراد، أو من عدم الاهتمام بقبورهم؛ حيث إن واقع الكثير من المقابر في مختلف المدن، والمحافظات، والمراكز، والقرى يتطلب حماية للأموات من الأحياء.
ومن يتأمل واقع أغلب المقابر يجدها تفتقر إلى التسوير الجيد مع أننا نرى إعلانات، ومناقصات في صحفنا عن تسوير المقابر، ولكن لا نرى ذلك بشكل واضح، فبعض المقابر ليس عليها أسوار، وإذا وجدت هذه الأسوار فهي غير محكمة، وغير عملية، ونرى أن المقابر من هذا النوع أصبحت بيئة مناسبة لتكاثر بعض الحيوانات مثل القطط والكلاب، أو منطقة رعي مناسبة لبعض أصحاب المواشي الذين يجهلون، أو يتجاهلون حرمة المقابر، وفي حالة عدم وجود حدود واضحة، أو سور حول المقبرة فقد يعمد بعض الأفراد من الجشعين لاقتطاع جزء من أرض المقبرة وإضافته لأملاكه.
وهنا أقول: إن مقابرنا بحاجة إلى تسوير مُحْكم ينقذ الأموات من الحيوانات الضالة، ومن رعي المواشي، ومن أطماع الأحياء، لأن للأموات حرمة وكرامة مثل حرمتهم وكرامتهم أحياء، وذلك يتطلب وجود جهة مسؤولة عن هذه المقابر، تعرف مهامها، وتستطيع تنظيم عملها بشكلٍ يضمن خدمة هذه المقابر التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات الأساسية مثل تواجد أماكن لغسل الأموات وتكفينهم، وإذا وجدت هذه الأماكن فهي خاوية على عروشها، ولا يوجد هناك من يقوم عليها، وعلى صيانتها، ويحافظ على صلاحيتها من عبث بعض الأفراد، كما لا يوجد ببعض هذه المقابر قبور جاهزة للدفن، بل على أقارب الميت القيام بعملية الحفر وقد تكون المنطقة المخصصة للمقبرة صخرية، ويصعب الحفر فيها إلا من خلال استخدام بعض الأجهزة، والأدوات الخاصة بالحفر وتكسير الصخور.
وتعاني كثير من المقابر من الحفر والدفن العشوائي حيث لا يوجد تنظيم جيد أو محدد لحفر القبور، أو للدفن بها، بل يتم الحفر والدفن في أي مكان من المقبرة، وهنا لابد من إيجاد تخطيط، وتنظيم واضح محدد المعالم للمقبرة بحيث يتم الحفر، والدفن وفق خطوط يتم تحديدها تواكب جهة الدفن وتسمح لأهل الميت من الرجال بمعرفة قبر الفقيد في حالة الرغبة في زيارته والسلام عليه بعيداً عن العشوائية السائدة في كثير من المقابر، فالجهات المسؤولة عن المقابر مطالبة بالعمل على إنجاز ذلك، وحفر القبور بالشكل المناسب.
وهنا أرى أنه من الضروري الاهتمام بالمقابر لأنها تحوي بداخلها أجدادنا، وآباءنا، وأمهاتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وأبناءنا، وبناتنا وجميع أقاربنا، فالجهات المسؤولة في الأمانات والبلديات مطالبة بأن تقوم بتسوير هذه المقابر بأسوار محكمة تمنع تسلل الحيوانات داخلها، وأن يكون لها بوابات محددة للدخول والخروج، وأن يتم إنشاء غرف لغسيل الأموات وتكفينهم، وتكون لها صيانة دوريّة تتصف بالاستمرار، مع إيجاد حراسة مستمرة على هذه المقابر على مدار الساعة، ولا يتم الدفن فيها إلا بورقة من الجهات المعنية، وذلك له جوانب أمنية أيضاً، كما أن هذه الجهات مسؤولة عن اختيار المواقع المناسبة وتوزيعها على أرجاء المدينة بحيث لا تخصص بعض الشعاب، أو الأودية، أو المناطق الصخرية للمقابر، بل يتم اختيار مواقع مناسبة لهذه المقابر، ومن الضروري أن تُقدم لأهل الميت معلومات عن قبره بحيث يتم التعرف على القبر بسهولة، وهذا النهج يمكن مشاهدته في عدد محدود من المقابر في المدن الكبرى من المملكة .
وهنا أقول مرة أخرى: نحن بحاجة لمن ينقذ الأموات من الأحياء كنتيجة لعدم الاهتمام بالمقابر، وعدم المحافظة عليها، والاهتمام بالصيانة المستمرة لها، وإضاءتها؛ فالمقبرة التي لا يوجد بها مساحة للدفن يتم تخصيص حراسة عليها، ولا يسمح بالدفن فيها، ويتم التوجيه إلى المقابر التي بها إمكانية للدفن، كما يجب أن يكون من ضمن نطاق التخطيط العمراني للمدن، والمحافظات، والمراكز أماكن مخصصة للمقابر في المستقبل؛ فالسكان بازدياد، ولابد من تحديد مواقع للمقابر حتى لا نضـطر أن نشـتري قبورنا، أو نحجزها ونحن أحياء مثلما يـتم في بعض الدول، مع أن الدول الأخرى غير المسلمة تهتم بالمقابر بشكل يثير الدهشة، وهذا دليل على احـترامهم للميت، ونحـن أولى بذلك، وديـننا الحنـيف يحـثنا على ذلك.