هل حققت الأعمال الرقابية وفورات جوهرية للدولة؟ كتحديد أفضل ممارسات لضمان سلامة ما يخص الجهات الحكومية من حيازة ومشتريات وتمويل وإدارة مخزون وصيانة وإصلاح، وهل تم إلقاء الضوء على المجالات التي تحتاج إلى تحسينات رئيسة للخدمات المقدمة إلى المواطنين؟
أظهرت تقارير صحفية مؤخراً أن الجهات الرقابية كشفت عن صرف مليارات الريالات دون وجه حق في بعض الجهات الحكومية، حيث قدرت تقارير أولية إجمالي حجم التجاوزات المالية والإدارية خلال عام واحد فقط بأكثر من 102 مليار ريال، وهو الرقم الأعلى خلال خمس السنوات الماضية!، وتتمثل هذه التجاوزات في عقود حكومية وهي عبارة عن مشاريع متعثرة واتفاقيات لم يتم تسجيلها في منافسات عامة، بالإضافة إلى توريدات لم يتم تسجيلها في عقود.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد تم كشف صرف مبلغ 300 مليون ريال نتيجة لمراجعة عدد من المستندات المحاسبية في بعض الجهات الحكومية، وهي عبارة عن مبالغ لم يتم صرفها بشكل إيجابي على المشاريع التنموية والحيوية.
أما فيما يتعلق بالشركات التي تسهم فيها الدولة، فقد تمت المطالبة بإعادة مبالغ تقدر بأكثر من (3) مليارات ريال إلى خزينة الدولة، وذلك إثر مراجعة عدد من حسابات الشركات من خلال مستنداتها أو قوائمها المالية أو كليهما خلال السنة المالية 1434/1435، ولم تبين التقارير الصحفية تفاصيل أو طبيعة هذه الملاحظات.
وتأسيساً على ما تقدم، فإن القارئ للوهلة الأولى للنتائج الرقابية السابقة، يعتقد أن هناك هدرا ماليا كبيرا لخزينة الدولة، وأن هناك تجاوزات مالية وإدارية جسيمة، ولكن لو قورنت هذه الأموال بمصروفات الميزانية العامة للدولة نجد أنها لا تتعدى ما نسبته (1%) فقط، وهذه النسبة ضئيلة جداً ولا تكاد تذكر وربما كانت أقل من النسبة المسموح بها أيضاً.
وقد يقول قائل: ربما كانت هذه الأموال المصروفة بغير وجه حق، لا تمثل الأموال المهدرة فعلياً، وإنما تمثل جزءا من الملاحظات الرقابية بشكل عام، التي تم الإعلان عنها في الصحف المحلية، وبالتالي فإن المقارنة ربما لا تكون صحيحة.
ولو افترضنا صحة القول السابق مبدئياً، فلنرجع إلى تفاصيل إحدى الملاحظات الرقابية المنشورة إعلامياً فيما يتعلق بالعقود الحكومية، والتي تقول .. المبالغ التي يطالب بتحصيلها وتوريدها لصالح الخزينة العامة بخصوص العقود تقدر بـ(729,219,216) ريالا.. هذا نتيجة مراجعة (9,094) عقدا خلال العام الماضي حيث قدرت القيمة الإجمالية لتلك العقود بأكثر من (142,3 ) مليار ريال مبينًا أنه تمت مراجعتها بنسبة 100% .
فلو قارنا المبلغ السابق والملاحظ عليه بإجمالي مبالغ العقود والتي تمت مراجعتها بالكامل، نجد أن نسبة المبلغ لا تتعدى (0.5) %، وهذه النسبة أيضاً ضئيلة جداً مقارنةً بتكلفة العقود ككل .. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، ربما أكون مخطئاً أو مبالغاً في قياس أداء الجهات الرقابية بهذه النسب نظراً لعدم وجود سقف محدد للهدر المالي، ولكن ماذا عن استهداف الملاحظات الرقابية لقياس مدى اقتصادية التكاليف الفعلية للعقود الحكومية؟، وماذا عن كشف الهدر والإسراف والغش والفساد وسوء الإدارة؟ وماذا عن استهداف خفض المصروفات وترشيد الإنفاق الحكومي؟ فجميع الملاحظات السابقة لا تجيب عن هذه الأسئلة للأسف.
وفي هذا الصدد، ذكر أحد أعضاء مجلس الشورى عن إحدى الجهات الرقابية بعدم فاعلية ملاحظاتها، وأن الأرقام هي نفسها المقدمة في التقرير الذي سبق، وهذا يدل دلالة واضحة على أنه لا يوجد أي تحسن في الدور الرقابي ..، وأنه ليس له أي مفعول.
فهل صحيح أن الملاحظات الرقابية غير فاعلة وضعيفة؟، لنرجع إلى التقارير الصحفية التي نشرت تلك الملاحظات، والتي تضمنت على سبيل المثال مشاريع متعثرة للبنية التحتية من جسور وأنفاق ومبان حكومية، ووجود أكثر من (323) عقداً لم تسجل في مناقصات حكومية (يعني تجزئة المشتريات للوصول إلى صلاحيات الشراء المباشر).
وبناءً على ما سبق، أطرح الأسئلة التالية: هل وقفت الجهات الرقابية على الأسباب الحقيقية لتعثر المشاريع؟ وهل استطاعت مراقبة المشاريع المعرضة لمخاطر التبديد والغش والفساد؟ وهل قامت بتحديد التكاليف الاقتصادية لها؟ وهل تمت المساءلة عن الأموال المرصود لها؟.
أما بخصوص تجزئة المشتريات، فكما هو معلوم فإن ذلك يخالف نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ولكن الإشكالية هنا أن هذه الممارسات ليس عليها عقوبات أو آثار قانونية في النظام، ولكن السؤال المطروح هنا: هل الملاحظات الرقابية أسهمت في الحد من هذه الممارسات؟ والواقع يقول إن هناك توسعا في ذلك، لذا فإن الرقابة ليس لها دور يذكر في معالجة هذه المشكلة.
بالإضافة إلى ما سبق، هل حققت الأعمال الرقابية وفورات جوهرية للدولة؟ كتحديد أفضل ممارسات لضمان سلامة ما يخص الجهات الحكومية من حيازة ومشتريات وتمويل وإدارة مخزون وصيانة وإصلاح، وهل تم تحديد طرق تكاليف أكثر فاعلية لعملياتها؟ وهل تم إلقاء الضوء على المجالات التي تحتاج إلى تحسينات رئيسية للخدمات المقدمة إلى المواطنين؟.
وبالنسبة للشركات التي تساهم فيها الدولة، فهل أسهمت الملاحظات الرقابية في تحسين المساءلة من خلال الإدارة المالية وإدارة المعلومات لتلك الشركات، وكذلك تحديد العائد للاستثمارات المالية للدولة وعن كيفية إدارتها، وعن تحديد المشاكل التي يمكن أن تواجهها هذه الشركات في المستقبل؟، وماذا عن تزايد التكاليف بمعدلات أسرع من التضخم وأثرها على الاقتصاد الوطني؟.
الإجابة عن الأسئلة السابقة، هي التي كانت من المفترض أن تتضمنها التقارير الرقابية، بدلاً من الأرقام الصماء التي ليس لها دلائل واضحة ولا تعكس الأداء الفعلي للجهات الرقابية، ولا توضح أيضاً هل أدت تلك النتائج إلى تصحيح ملحوظ على أداء الجهات الحكومية التي خضعت لعمليات الرقابة، بل على العكس من ذلك، مما يفقد ثقة القارئ لتلك التقارير، ويشعر بأنها لا تعد بموضوعية وإنما تعتمد على المزاجية والتوجهات الشخصية سواء لدى المراقبين المنتسبين لتلك الجهات أو على مستوى الإدارة العليا للجهة الرقابية نفسها.