إن تسرح تجد بين الراعيات هذه الأسماء العالقة بأرواحنا والممتدة ذكرياتها في جنبات الذاكرة: حليمة، عايشة، علوة، فاطمة، وإن تلقِ تجد ذاتها في السوق بل تزيد: سعدى، سرى، شريفة، ولكل منهن مع اسمها حكاية تشاطر حكايات السمر، ولا تخلو سمرة شعرية من تنكيهها بأحدها؛ حتى صار لكل اسم حضوره في الأذهان والقلوب، يتداوله الناس ببيت شعر أوصفة ارتبطت بصاحبته، فهذا شاعر يصف علوة:
ياسلام ومني سلام
قاطف امبرك ماهو يلام
في دموك ترى ظلها
علوة امزين واسمي علي
خلي الناس وامشي معي
وقال امثوابي عن شريفة:
وامثوابي على غيبه
رد كفه على جيبه
ويقل لو شريفة له
يخسر المال والدراهم
ليس لعبن وولاشي
في سني التهجي الأولى كانت حليمة أول الأسماء التي ارتبطت بذاكرتي، كنت لا أنفك أن أرسم هذا الاسم في دفتري، وعلى الجدار الذي اتخذته لوحا لتعلم الأبجديات، كنت أغبط خالتي أنها تحمله، كما أغبط الفاطمات والشريفات والعايشات بأسمائهن، لم أكن أعلم أن ارتباطي بهذه الأسماء سيكون كما ارتباطي بالكثير من الأشياء التي اجتاحها طوفان الحضارة: فها هي حليمة تتنازل عن اسمها لتبدله بآخر، لا نعلم له هوية، ولا مقرا ثابتا نعرف مصدره، تتحول الأسماء ذات العبق التاريخي والحضور إلى أسماء لا صلة لنا بها، بعد أن أجمعن أنها لا تواكب العصر حسب اعتقادهن، قررن التخلي عن ذكرياتهن، وتغيير أسمائهن من ذات دلالات تاريخية وارتباط بالمكان، إلى أخرى مستوردة لا صلة لنا بها، فعندما تقرر حليمة أن تستبدل اسمها، فهذا يعني أنها لا تعي ما قامت به من إسهام في هدم قيم جمالية نسجها الزمن حول اسمها، وما دور هذا التغيير في المضي بعيدا عن هويتنا وطمسها بإرادتنا، وليس لنا دافع إلى هذا سوى أن نسعى إلى استبدالها بأخرى لا تمثلنا، ولن نكون راضين عنها ما حيينا، حتى وإن كنا فرحين فلا قناعة بها، إلا أننا نسير مع الركب على غير هدى.
لو ذهبنا إلى المدارس لوجدنا أن هذه الأسماء بدأت في الاختفاء خلف ستار التحضر، ومن أبقت المشيئة على اسمها تجدها تتوارى خجلا منه، وتسعى جاهدة أن تحصل على بديل يناسب وضعها بين ذوات الأسماء الجديدة.
خلاصة التغيير: يا معشر البنات المتسميات: كفى، ريم، مشاعل، أوصيكن أن تسمين بناتكن بأسماء جداتكن اللاتي ناضلن من أجل بقاء القيم، وسعين جاهدات أن يرسمن لأسمائهن مجدا وتاريخا ثم لا نسمي بهن بل نطأطئ رؤوسنا عند ذكر اسم قديم.. سحقا لتلك الحضارة التي تجعلني أبدل اسم شريفة.