جرأة وقدرة الأمير الوزير خالد الفيصل الذي عودنا على قوة التغيير في عسير، وفي منطقة مكة، تجعلني أطالب بما اعتدنا منه من قوة وعزيمة، فأملنا فيه أضعاف مليارات التعليم

يوم غد تنطلق اختبارات نهاية العام الدراسي الحالي، وما يترافق معها من تحولات تؤثر فينا بأشكال متنوعة؛ وليس هذا مربط الفرس، بل التعليم في هذا العام وقع بين وزيرين ورؤيتين: الأولى لن يعنينا الحديث عنها كثيرا، ربما لأن نقد ما كان غير مجد، فلا يمكن تغيير الماضي، لكن النظر له يمكننا من استيعاب الحاضر، ويعيننا على بناء مستقبلي أفضل لبنية التعليم.
لنشرع بدءاً ونحن أمام 80 مليارا لتطوير التعليم، ونبدأ بأبسط متطلبات التعليم وهي المدرسة؛ فتوفير البناء المدرسي مهم في ارتباط الطالب أو الطالبة بالمدرسة، ومن المخجل أن تستمر المباني المستأجرة التي لا مصلحة من استمرارها إلا لصاحب المبنى، وقد يكون صاحب المبنى موظفا في الوزارة!
المباني المستأجرة خلل كبير، إذا عرفنا أن بعض مدارس الأولاد المستأجرة، طوابيرها الصباحية في الشارع، أو بعض مدارس البنات طوابيرها في سطح العمارة المتهالكة التي أكل عليها الدهر وشرب، وما زالت عقودها مع الوزارة صامدة ومتجددة كبعض مدارس مدينة مكة المكرمة!
ولو نظرنا إلى المباني الحكومية القديمة، عرفنا أن هناك عمليات ترميم وصيانة دورية لا أحد ينكرها، لكنها تركز على تحسين المظهر الخارجي غالبا؛ فالفصول تبقى مختنقة والشبابيك يندر أن يغير المكسور منها، والساحات مكشوفة وغير مكيفة، يتعرض فيها الطلاب والطالبات للشمس الحارقة، والبرد القارص، أو الغبار في أجوائنا عندما تصاب بالتطرف في أوقات غير قليلة من العام الدراسي على امتداد رقعتنا الجغرافية الهائلة.
التجهيزات المدرسية حكاية أخرى فهي تميل للقدم خاصة كلما اقتربنا من الفصول وما يخص الطلاب والمعلمين؛ فالمعلم الموظف الحكومي الوحيد الذي لا يملك مكتبا حكوميا مناسبا فهو متهالك أو من جيبه الخاص، ولا جهاز كمبيوتر حكوميا أو طابعة أو آلة تصوير بل غالبا - وأتكلم عن المعلمات – يتحملن قيمة الأنشطة المرافقة لعملية التعليم ماديا من تصوير وغيره.
أما الفصول فهي بحاجة لتوفير مصادر التعلم الخاصة بها، كما وفرت في المدارس الحكومية النموذجية.
ماذا يحتاج التعليم أيضا بوجود مليارات التطوير؟
نحتاج إلى مسؤولين في المدارس يقدمون مصلحة التعليم، أذكر مديرة تقاعدت قبل سنوات كانت تحرص على إعادة فائض من الميزانية المصروفة لها حتى تحصل على خطاب شكر غير آبهة بما ينقص مدرستها، وقد توالت خطابات الشكر لها كل عام، علما بأنها في حي فقير ومدرستها الكبيرة تحتاج كل ما أعادته لتنال الثناء!
النظافة حكاية ارتبطت بالحملة على من يحملون إقامات ويعملون عند غير كفلائهم، وبالصدفة كان عدد كبير منهم يعمل في نظافة المدارس، والنتيجة هذا العام في المدارس تراجع النظافة لدرجة مخيفة بعد إنهاء التعامل معهم، وربما كان تراجع النظافة وتراكم النفايات في الفصول والساحات سببا في انتشار أنواع الأنفلونزا خاصة مع ظهور حالات كورونا في بعض المدارس!
النظافة والعناية بها تحد من انتشار الأوبئة، وتسهم في صحة الطلاب وقلة الغياب؛ ويمكن لعلاج هذه الظاهرة ـ بعيدا عن استغلال القطاع الخاص ـ إنشاء شركات نظافة تابعة للوزارة تشرف على نظافة مدارس الحي بشكل غير مكلف، ولا تصب في جيوب التجار، أو تعيين عمال وعاملات نظافة لكل مدرسة.
تفعيل المكتبة المدرسية وتزويدها بكتب مناسبة مطلب، فلا بد للكتاب المفيد أن يأخذ حيزا مهما، ولا بد أن تكون المكتبة شاملة للحاسب للبحث والاطلاع، وتصبح متنفسا في حصص الاحتياط وقد يقول قائل: توجد مكتبة في كل مدرسة، والحق نعم توجد لكنها أشبه بالمومياء المحنطة؛ ولذا لا تجد زوارا، فكتبها قديمة وجامدة ولا تتابع الجديد والجيد، ويمنع تماما أن يضاف إليها شيء من خارج ما يأتيها من عهدة، مع أنه من السهل الرفع بأسماء الكتب التي تهدى لها والسماح بإضافتها، كما أن المطبوعات الحكومية والأدبية التي تمر عبر جهات موثوقة لا تأخذ طريقها إليها.. حتى الصحف اليومية لا تصل للمكتبة، فهل هناك فقر معرفي أكبر مما في هذه المكتبات؟!
وما دام الحديث عن الكتاب، فتمزيق طلاب له يؤكد حقيقة أن الكتاب لم يكن أكثر من عبء حملوه وهناً على ظهورهم فأثقلهم، وأن ما حواه أيضا لم يشدهم، ولو كنا نستعيد الكتب أو بعضها ونقدمها لطالب آخر في العام الذي يليه، ولا نتلفها كل عام، لكنا زرعنا للكتاب قيمة أكبر لا تقبل التمزيق كما حدث منهم وأغضبنا.
الحضانة ضرورة في مدارس البنات، خاصة أن الأم العاملة تضطرها ظروفها للغياب إذا لم تكن لديها خادمة أو في حالة إضرابها عن العمل أو هروبها، وهي قصص تتكرر في كل فترة، كما أن بعض الطالبات أمهات، فما المانع من أن تكون الحضانة للطرفين وتصبح المدرسة بيئة أكثر إنسانية؟ فالحضانة ضرورة لتشعر الموظفة بالأمان، لكن بعض المدارس لا ترغب في عبء هو في حقيقته حل مهم، ويمكن أن تكون بعائد ربحي معقول.
لا أطمع بالكثير، لكن جرأة وقدرة الأمير الوزير خالد الفيصل الذي عودنا على قوة التغيير في عسير، وفي منطقة مكة،
تجعلني أطالب بما اعتدنا منه من قوة وعزيمة، وفقه الله، فأملنا فيه أضعاف مليارات التعليم.