الدخول إلى عالم اقتصاد المعرفة يعني بالدرجة الأولى الاعتماد على العقول، واستثمار الإنسان الذي يعد أغلى وأنفس رصيد لأي وطن، ثم الاستثمار في المجالات غير القابلة للنضوب، إنه تحول كبير ونقلة نوعية لبلادنا، وإنجاز عصري متميز للقيادة
زف إلينا الأمير خالد الفيصل، منذ بضعة أيام، خبرين سارين يستحقان الحديث عنهما؛ لأنهما حديث عن الوطن وعن إنجازاته، وعن فخرنا واعتزازنا بالوطن، وأنا لا تربطني بالأمير خالد الفيصل أي علاقة مصلحة دنيوية غير المحبة والتقدير والإعجاب.
وحديثي عنه اليوم سيقترن بشواهد؛ لأنه ليس هناك أصدق من حديث يتكئ على أدلة وشواهد وأمثلة مشاهدة على الواقع.
الخبر الأول: يتمثل في إعلانه عن دخول المملكة العربية السعودية عالم المعرفة الاقتصادية من أوسع الأبواب؛ وذلك بتخصيص الخطة الخمسية العاشرة بكاملها، التي ستظهر بعد عام على مشروعات في اقتصاد المعرفة مجاراة للعالم الأول، وإيذانا بدخول المملكة فيه لتكون ضمن دول العالم الأول، التي سبقتنا إليه مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وبعدها اليابان ثم سنغافورة وكوريا.
والخبر الثاني: يتمثل في افتتاح الأمير خالد الفيصل مشروعا تنمويا حيويا للوطن في منطقة مكة المكرمة وفي محافظة جدة تحديدا؛ وهو مركز الأمير سلطان الحضاري، الفريد في محتوياته والخدمات التي يقدمها وفي تصميمه.. ولا تسع مساحة المقالة الحديث بإسهاب عن هذين الخبرين السارين، اللذين يأتيان لبنيتين صلبتين في بناء وطننا، وسيكون لهما مردود كبير على الوطن بأكمله.
الذي سمع الأمير خالد وهو يعلن خبر دخول السعودية لعالم اقتصاد المعرفة، يرى ويسمع أن البهجة لا تسعه والفرحة تغمره، وهو صاحب المبادرات النوعية وعشيقها، وقد بدا ذلك جليا في مسيرته، وقد تابعت منذ سنتين عن قرب فكره ومشروعاته وطموحاته، لا التي يتحدث عنها، بل التي ينجزها أو أنجزت أو هي في طور الإنجاز.
وقد رصدت في مراجعة ـ ولا أقول في بحث ـ لفترة من تاريخه العملي ثلاث عشرة مبادرة نوعية في أربعة مجالات: المجال الثقافي، والمجال التنموي، والمجال الاجتماعي، ومجال الشباب الذي يعد هاجس الأمير الأول.. وهذه إنجازات قائمة ومبادرات على أرض الواقع، وفي يوم السبت الموافق 10 مايو الجاري، وضع الأمير خالد الفيصل حجر الأساس لمركز الأمير سلطان الحضاري في جدة، الذي يضم الكثير من المكونات النوعية مثل: مدينة طبية عالمية، وحي سكني، وأكبر مركز للمعارض والمؤتمرات، وبحيرة صناعية، وثلاثة فنادق عالمية.. وسيكون المركز معلما حضاريا وإنجازا وطنيا غير مسبوق.
أما الخبر الأجمل، الذي زفه الأمير خالد للوطن، فهو الدخول إلى عالم اقتصاد المعرفة ليس بمشروع ولا ببرنامج، وإنما دخول المملكة عالم اقتصاد المعرفة بقوة شديدة ودفع شديد قوي، تمثل في تخصيص الخطة العاشرة بأكملها للرغبة في التحول الكامل، ولأننا كما قال الأمير خالد في كلمته: في مرحلة انتقالية تاريخية.
ودخولنا عالم المعرفة واقتصاد المعرفة يمكننا من مجاراة العصر والاستثمار في المجال المعرفي الذي لا ينضب، والذي استطاع الغرب الآن أن يحول 50% من اقتصاده إلى اقتصاد المعرفة.. وتحديدا فيما يتعلق بالاعتماد على الموارد المستديمة مثل الطاقة الشمسية والرياح والأمواج والتناضح العكسي وما إلى ذلك.. بدلا من الاعتماد على المصادر التي تنضب.
إن تخصيص خطة خمسية كاملة لهذا الغرض، سيعمل على تسريع دخولنا وتحولنا وابتعادنا عن مصدر واحد للدخل، والولوج إلى مصادر غير قابلة للنضوب، سيحول بلادنا تحويلا جذريا ويمكننا من معالجة الكثير من المشكلات المستعصية، مثل الاعتماد على مصدر واحد للدخل، ومشكلة البطالة، ومشكلة سوق العمل والتعليم والتخلص من المشكلات المترتبة على تلك المشكلات.
إن الدخول في عالم اقتصاد المعرفة، يعني بالدرجة الأولى الاعتماد على العقول واستثمار الإنسان، الذي يعد أغلى وأنفس رصيد لأي وطن، ثم الاستثمار في المجالات غير القابلة للنضوب، وإنسان هذا الوطن أثبت التميز والجدية على أعلى مستوى، فالمواطن السعودي سجل على مدى الـ15 عاما الماضية آلاف براءات الاختراع المسجلة رسميا في منظمة الملكية الفكرية العالمية WIPO.. وسيثبت إنسان هذه البلاد أنه قادر على الولوج بقوة في مضمار اقتصاد المعرفة بعد توفيق الله، ثم هذا الدفع غير المسبوق من الدولة على المضي قدما إلى اقتصاد المعرفة، والمتمثل في تخصيص خطة خمسية كاملة، وهي الخطة العشرية القادمة لهذا الغرض.. إنه تحول كبير ونقلة نوعية لبلادنا، وإنجاز عصري متميز للقيادة.
نحن في هذه البلاد لن نبدأ من الصفر، فهناك مؤسسات ومراكز وشركات ومدارس تعمل في هذا المجال، وبنيتها مؤهلة للبداية أسماها الأمير خالد الفيصل جزرٌ من العالم الأول في بلادنا، وينادي بأن نمدد هذه الجزر لتغرق البلاد بأمواج المعرفة واقتصاد المعرفة، وتدفع به ضمن الخطة العاشرة إلى العالم الأول.. وأتوقع أن يكون لهذه الجزر موقع السبق في قيادة البلاد لهذا التحول الكبير.. التحول إلى اقتصاد المعرفة؛ لأنها الأقدر على مجاراة طموح الدولة بهذا المستوى؛ ولأنها سترسم نموذجا لبقية البلاد وتقوده في مجال التطبيق بكل اقتدار.
لا شك أننا نحتاج إلى خبرات أجنبية في ذلك، لكن الاعتماد الأساس سيكون على ما نملكه من مؤسسات وكوادر، لها إنجازات نوعية في هذا المجال.. يا له من خبر سار، ويا لها من قفزة، ويا له من تحول. سيشهد التاريخ فعلا لهذا الإنجاز، وستذكر الأجيال القادمة هذا العمل وهذا التحول الكبير؛ لأنها ببساطة ستفتح عيونها، وتجد نفسها بجانب عالم اقتصاد المعرفة أو قريبا منه.
الدخول إلى هذا العالم ليس أمرا يسيرا، ولهذا لم ترسم له الدولة برنامجا أو مشروعا أو مبادرة، وإنما خصصت له خطة خمسية كاملة، وهي رؤية ثاقبة وقرار تتمثل فيه الدراية والحكمة وبعد النظر واستشعار ما يترتب عليه.. بارك الله الجهود وحفظ الوطن وأهله.