المرأة العربية تتمتع بسيكولوجية تميزها عن بقية نساء العالم؛ فهي بنت الصحراء، وللصحراء دورها في صقل النفوس وصفاء الذهن والقوة المقتبسة من مكابدة الطبيعة؛ لأن التكوين السيكولوجي للفرد يخضع لإطار وظروف البيئة الجغرافية

حينما يحدث زلزال وهزات أرضية ينصح الخبراء باللجوء إلى الأعمدة الثابتة، والمرأة دعامة مهمة من دعائم المجتمع المتقدم. فمن ذا الذي ينكر على المرأة حقها، غير أولئك المتشدقين بالتزمت والرجعية والتخلف؛ لأن المرأة في الجاهلية وفي صدر الإسلام ثم في عصوره المتقدمة هي اللبنة الأولى لدعائم هذا البيت الكبير الذي يطلق عليه اسم مجتمع.
وفي يومنا هذا، وفي خضم ما نراه من تقدم وازدهار في مكانة المرأة، خاصة في بلادنا، نجد أن هناك تواضعا شديدا في تمكينها من ممارسة حقوقها في زمن لا يسمح بأن تلين اللبنة الأولى من أعمدة المجتمع! وفي يوم تتكالب الأمم على أمتنا العربية. زمن نحتاج فيه إلى أن تكون فاعلة كما هي وكما كان تاريخها المشهود له بالريادة والقوة والشرف والعفة والقيادة إن لزم الأمر.
وفي زمن العولمة وتلاقح الثقافات، نستطيع القول بأن (الباسوورد) بأيدي النساء إن جاز التعبير. فمن خلال دراستنا لأي حدث من أحداث تاريخ الدراما على سبيل المثال، نجد أن المرأة هي المحرك الأول لأي فعل مهما كان قدره، وبه تتحرك الأفعال نحو أي ذروة يختارها التاريخ، هكذا كان تاريخ الدراما منذ نشأته. وبالتالي فلا مناص من الأخذ بعين الاعتبار بأن المحرك الأساس هي المرأة أينما كان مكانها وأينما كانت مهمتها! فمن أراد أن يهدم المستقبل فعليه بهدم النساء لأنهن صانعات الرجال!
لقد تخطى دور المرأة العربية رعاية الأسرة بكثير؛ فهناك مواقع لها في غاية الأهمية تنتظرها، وإن كانت قد احتلتها بالفعل. فالتاريخ يدون صفحات مضيئة سطرتها المرأة العربية تضعها في مصاف القادة وإن وقفت خلف الصفوف.
ثم إن المرأة العربية تتمتع بسيكولوجية خاصة عن بقية نساء العالم؛ فهي بنت الصحراء، وللصحراء دورها في صقل النفوس وصفاء الذهن والقوة المقتبسة من مكابدة الطبيعة، فالتكوين السيكولوجي للفرد يخضع لإطار وظروف البيئة الجغرافية، حيث يمكن القول إن كثيرا من أشكال التغيير قد ولدتها ظروف البيئة الجغرافية ليس فقط في المناشط الاجتماعية والاقتصادية، بل دفعت المجتمع وغالبية أفراده إلى مواقف بطولية تحسب لهم. فنظرا لاتساع مساحة الأراضي العربية والصحراوية في الوطن العربي كانت غالبية هذه المجتمعات تهرع إلى الغزوات، وأخرى للذود عنها بدافع الانتماء عبر تصنيفات قبلية وعشائرية. كما أن رجل الصحراء، وبالتالي أفراد المجتمع عنصر متحرك لمجتمع يحكمه أمران: قوة الرأي العام، والخوف من اللوم.
هذان العنصران يحكمان العربي بما يسمى قانون شرف الصحراء، ومن أهم موارد هذا القانون غير المكتوب تضامن العربي مع رجال قبيلته، كالمشاركة في الثأر والدفاع عن الوطن وكرامة الأسرة، ومن هنا يقوم مجتمع القبيلة بصورة خاصة والمجتمع العربي بصورة عامة، على وحدة الدم للوطن والهوية التي تفرض كثيرا من الحقوق والواجبات والالتزامات المتبادلة، بل تفرض أنواعا معينة من السلوك وبالتالي تمارس قدرا كبيرا من السيطرة، ومن هنا تكون الأعراف والتقاليد ضربا من ضروب القوة.
وبنت الصحراء ذات التكوين القبلي في أرجاء الوطن العربي لا تنفصل عن ذاتها وعن مقاومة أي قانون يخرق هذه القوانين بما فيها مقاومة وإنكار الغزوات أو الدفاع عن الهوية والوطن، هذا التكوين الكامن في نفوس بنات الصحراء والممتد عبر الأجيال نجد له تباينا جليا مع تكوين أخريات لهن مواقف مغايرة في مثل هذه الظروف.
السيدة صفية بنت عبدالمطلب في غزوة الخندق، كانت مع النساء في حصن يقف على حراسته حسان بن ثابت، فمر بالخندق رجل يهودي يتلصص على نساء المسلمين، فقتلته بوتد من أوتاد الخيام، وعادت إلى حسان بن ثابت تطلب منه أن يأتي إلى سلب القتيل لأن حياءها يمنعها من ذلك لكونه رجلا.
هذا الموقف من امرأة عربية تدافع عن دينها وعرضها وهويتها وأعرافها، وهو ينبع من تكوين شديد الخصوصية مستمد من قوة العقيدة والزود عنها.. يختلف مع تكوين امرأة أخرى يعتريها الخوف والفزع كالسيدة ماري أثناء حصار أورشليم من قبل الرومان، عندما استبدت المجاعة بأهل المدينة فكان الجنود يفتشون البيوت بحثا عن الطعام، قتلت هذه المرأة طفلها الرضيع والتهمت جسده بعد شوائه وعندما أتى الجنود على رائحة الشواء قدمت لهم باقي الجسد ليلتهموه فأي هلع ينتاب هذه المرأة حتى تقتل وليدها وتأكله وهي تقول:
لماذا أبقيك حيا في زمن الحرب والمجاعة، بل وتقدمه للجنود ليلتهموه خوفا من بطشهم.
ولا ينسى التاريخ موقف السيدة أسماء بنت أبي بكر، حيث وقفت أمام ابنها عبدالله بن الزبير حين كان محاصرا بمكة، وطلب منها الحجاج بن يوسف الثقفي أن تذهب إلى ابنها لتثنيه عن موقفه لعلمه بمدى تأثيرها عليه، فما كان منها إلا أن تقول لابنها: لا تمكن بني أمية من نفسك، فيلعب برأسك الغلمان، إن كنت تريد الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت من أهل الدنيا فهذا ليس فعل الأمراء ولا أهل الدين، لما خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن. وكان لمقولتها الشهيرة: لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، أثرها في صناعة الرأي العام الذي يتكئ اتكاء مباشرا على قوة المرأة وقوة مواقفها في صنع القرار.
إن تعاقب الاستعمار على أرض الوطن العربي، قد صبغ أفواه المفوهين بلون الحكمة وعقولهم بنور البصيرة والثورة والحرية، فلا ينسى التاريخ أسماء جميلة بو حيرد في الجزائر، وصفية زغلول وهدى شعراوي في مصر، وسناء محيدلي في لبنان.
هذا ما عهدناه في المرأة العربية وفي سلفها الممتد فيها وفي أجيال قادمة. فربما ماتت الأفاعي بسم العقارب.
وفي ضوء هذا الشموخ الأدائي والعطاء والبناء والأهمية، كيف لا تتحرك المرأة في يومنا هذا إلا بما يسمى بصك الولاية؟ والغرابة أنه يمكن أن يكون الولي من غير ذي قرابة في بعض الأحيان كأحد أفراد القبيلة أو ما شابه، وأن يكون هو المحرك والمتحكم في جميع شؤونها! فتصبح في هذه الحال فاقدة للأهلية كطفل صغير أو مجنون، أو أي شيء لا يحمل الوعي! حتى يصل الأمر إلى ألا تخرج من السجن ـ على سبيل المثال ـ إلا بإذن الولي حتى وإن بقيت فيه طيلة حياتها، وأيضا لا يحق لها أن تسمي مولودها أو تعلن عن ولادته أو عن وفاته وما إلى ذلك من أمور تمسخ هذه الشخصية وتحولها إلى شيء معطل، يتحكم فيها رجل قد يكون من أطراف القبيلة أو أصغر أبنائها أو شخص غير ذي محرم، قد يسيء استغلال هذه الولاية في أمور لا يقبلها الدين! ما معنى ولاية شرعية لولي غير ذي محرم، وما المراد من تحقير المرأة والحط من شأنها وهي البطولات ذاتها والتاريخ الذي أبهر العالم في يوم كانت أوروبا تحتقر المرأة؟