وحدها إرادة الشعب ممثلة بالرئيس هادي والقوات المسلحة من يخوض غمار الحرب على القاعدة، على حين لا يلحظ المرء أدنى جهد من حكومة الوفاق المشكلة عبر تسوية بين أطراف الصراع لم يؤخذ فيها رأي الشعب
حسب الحياة شقاء اتساعها لكل شيء إلا الحياة نفسها!
وحسب الإنسان مرارة الوقوف وسطا بين خيارين سيئين، أو أن تختاره تحدياتها العاصفة شوكة ميزان نعاير على مرجحتها نظائر السلعة الواحدة.
وفي واقع اليمن، لا نرى ثمة إمكانية للتحقق من وجود شوكة ميزان إلا في أشد حالات الخطر فداحة كما في الحرب الضارية ضد معاقل التنظيمات الإرهابية التي يتم تفويج 70% من أعضائها على صورة مساعدات إنسانية وقروض ميسرة يقدمها العالم لبلد مضياف أتاحته قوى الصراع مقلباً للنفايات المؤذية.
ولأن التسوية السياسية اختزلت بلدا تعداده السكاني جاوز 25 مليون نسمة بمحور الصراع على السلطة لذا عدّ التقاسم منجزا تاريخيا يصب في صلب المبادرة الخليجية!! شأن إنجازات عظيمة على هذه الشاكلة أن تغدو جزءا من الثوابت العربية المحمية برتل من القرارات الأممية الموجهة لإنفاذ شريعة التحاصص الحزبي في مختلف مراحل العملية السياسية، حوارا يدر دخلا يوميا بالعملة الصعبة وتراشقا إعلاميا وكيدا سياسيا وفسادا ماليا ونفخا في قربة يكاد أمرها يكون فاجعاً.
ما من أفق آخر يمكن العثور عليه عدا شوكة الميزان لاقترانها بإرادة 7 ملايين ناخب ملوا رطانة الرقيب الدولي المتحذلق حول الديمقراطيات الناشئة ومنافساتها الديكورية لتجميل النتائج المعلومة سلفاً وثبتوا شوكة الميزان تعبيرا عن إرادة الشعب..
لم تدخل هذه الإرادة حيز التنفيذ بعد لأن الترويج لتسوية سياسية تمخض عن لحظة قلق على أمن واستقرار بلدان الجزيرة العربية، وغذاها قلق غربي من احتمالات نشوب حرب أهلية في اليمن لتظل شوكة الميزان رهن موازين الصراع أو هدفا مشتركا لسهامها فيما تعتمل على الواقع معدلات خطيرة تكشف عن خلل مروع.
كان بودي المزيد من التفصيل في موضوعات تخص دور متخذ القرار في بناء أسس الدولة المدنية لكنا مجبرون على تكييف طروحاتنا مع المستجدات المزعجة وبمقدمها المواجهات المفتوحة في الحرب على الإرهاب وتعقب فلول القاعدة وما أفرزته أنشوطة التقاسم من فراغات غادرتها السلطة وملأتها نزعات العنف وجماعات التطرف المحلي والوافد.
وحدها إرادة الشعب ممثلة بالرئيس هادي والقوات المسلحة من يخوض غمار الحرب على القاعدة على حين لا يلحظ المرء أدنى جهد من حكومة الوفاق المشكلة عبر تسوية بين أطراف الصراع لم يؤخذ فيها رأي الشعب.
لم تعقد حكومة الوفاق اجتماعا طارئا ولا اعتياديا يكرس لمؤازرة الجيش ولم يبدر عنها تصريح وإن لمصدر غير معلوم يشد أزر هادي ولكأن لسان حالها اذهب أنت وجيشك قاتلا فحكومات المحاصصات لا تقاتل الأصدقاء!
إن كان على شوكة الميزان تذكر شيء بعينه فقول المتنبي:
وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ
فعلى أيّ جانبيك تميل
لو قدر لمحلل عسكري محترف قراءة إحداثيات الحرب من حيث تداخلاتها السكانية وتضاريسها الطبيعية ومساحتها الجغرافية وتعداد الإرهابيين وعدد معسكراتهم ونوعيات السلاح المستخدم قبلهم وتشابك ارتباطاتهم ببعض أطراف التسوية فلن يكون ثمة وجه للمقارنة بين ما عدته الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب إعجازا حربيا لها في أفغانستان وما تحرزه القوات المسلحة اليمنية من انتصارات نوعية بكل مقاييس الحروب مقابل أكثر أحوال الدول صعوبة وأشدها فقرا وتنازعا سياسيا..
فلماذا تكسب اليمن في ساحات الحرب وتخسر في ميدان السياسة.. الرئيس هو الرئيس فلأي سبب نجده متفوقا في مجابهة الإرهاب وشبه عاجز عن وقف الانهيارات اليومية الناجمة عن ضعف حكومة الوفاق لدرجة تجعل من تلك الانهيارات خيارا قاعديا يفوق فعل الأجسام المفخخة.
أيُّ شعب.. بل أَيُّ رئيس دولة يمكنه فعل شيء لمصلحة الداخل أو لتأمين المصالح المشتركة مع الخارج بينما يكون هناك توافق على منح قوى الصراع وضعا سياسيا أعلى من القيم الناظمة حقوق المواطنة وتكافؤ الفرص وضمانات التعايش تحت سقف القانون!!
إن كانت المحاصصة غرضاً واجب الأداء والمطالبة بتصحيح نتائجها السلبية خرقاً للسفينة، وقال قوم لا يجوز النيل من مبدأ الشراكة، فلماذا ضاقت الأحزاب الحاكمة بمعايير الكفاءة في أوساطها مؤثرة عامل الإذعان لقيادة الحزب على حساب القدوة الحسنة والأداء المقتدر؟
اليمنيون لم يسألوا الله رد القضاء ولكن لطفه في تحقيق إرادته وما دام الحال اضطراراً فلمَ لا يقدم كل ذي حصة قائمة تخصصاته وأبرز كوادره ويدع جانب المفاضلة لمتخذ القرار..
الأحزاب العاجزة عن تأمين المساواة وتكافؤ الفرص في حياتها الداخلية لا يمكن الركون إليها في بناء دولة أو تلبية تطلعات شعب، أما إذا تعلق الأمر بالوعد حول يمن جديد فسيمدد أبو حنيفة ولا يبالي..
أعود إلى حكمة المتنبي في وصف خيانات الأهل والعشير المضافة على طعنات العدو.. وأسأل إن كانت أصابع السياسة وراء تصعيد جرائم الاغتيالات في العاصمة صنعاء لإرباك الرئيس هادي والتشويش على مكاسب الجيش ومحاولة تخفيف الحصار المضروب حول الإرهابيين في جبهات القتال..؟
قل إن الإجابة على السؤال ليست واحدة لكنها تغدو كذلك حين يتعلق الأمر بدور أشقاء اليمن وأصدقائه لإخراج البلاد من مأزق الفشل الحكومي، وحث متخذ القرار لإعمال الإرادة الشعبية في اختيار حكومة قوية كفؤة ذات مهام محددة وبرنامج تنفيذي زمني واضح وتؤدي رسالتها تحت رقابة المجتمع ومؤسساته القائمة.. حكومة إنجاز تخضع للتقويم والرقابة والمساءلة.. حكومة لا تتذرع بالماضي ولا تجتهد في تبرير الفشل أو تحتمي بما يطلق عليه الانتهازيون تاريخا نضاليا.. حكومة إنقاذ تتحمل مسؤوليتها أمام الشعب بصرف النظر عن الولاءات الحزبية.
بيد أني لم أكمل تناولتي عن اليمن وشوكة الميزان، وأختتم لاحقاً.