نعم، يجب أن نتعرف على فكر العدو، ولكن هنالك فرقا بين التعرف والدراسة، وبين تقديم الدعم من خلال تقديم المنبر، أو تقديم التبريرات والتموضع في خانة محامي الشيطان
لنتحدث قليلا عمن يمتشقون القلم، بوصفهم كتابا أو مثقفين، وهنا لا أهاجم مثقفينا، بل من استغل ساحات ما يطلق عليه الإعلام الجديد في تمرير أفكار سامة أو مضللة!
للتوضيح؛ الكتابة قد تؤخذ كمهنة، وحينها قد يوظف القلم للتضليل لا التثقيف، فإن دور المثقف الذاتي هوالتثقف والاجتماعي هو التثقيف، والتثقيف قد يبنى وقد يهدم، نعم عرف عن المثقفين على مر العصور التي سبقتنا والقريبة، بأنهم كانوا أصحاب رسالة تنوير، ونهضة الفكر والوعي، وبالتالي المجتمع، وكتب التاريخ تزخر بأسماء وأحداث كثيرة ومن حضارات مختلفة على ذلك، ولكن حين يفضل المثقف مجده الشخصي على مجد مجتمعه، يصبح أداة سهلة في يد كل من يريد استخدامه؛ لأن هنالك فرقا بين صاحب الرسالة وصاحب أو تابع أجندات.. فالأول وطني والثاني مخترق... وبالتالي يصبح أداة تغييب الوعي في المجتمع وتمزيق وحدته!.
يجب أن نعترف أن هشاشة الجسد الثقافي لدينا أدت إلى سهولة اختراقه؛ وذلك لأسباب عدة منها، ما تعرض له المثقفون في مجتمعاتنا العربية من إقصاء وتهميش، وأحيانا تهجير أو سجن أو قتل، ومنها ما تعرضت له الثقافة من هزات؛ بسبب الانفتاح العالمي، وهي ما زالت في حالة البناء، بعد فترات استعمار وتجريف وتحوير للثقافات المحلية. لا أضع لمن اخترق الأعذار لكن للموضوعية، يجب أن ندرك أنه كان هنالك أسباب جعلت الوضع ملائما تماما لهم؛ كي ينشروا عبارات براقة رنانة.. مثل حرية الرأي والديموقراطية إلخ.. لست ضدها ولكن من خلالها أخذوا يدفعون المجتمع إلى التخلي تدريجيا عن ثوابته في قضايا كثيرة، منها تقبل العدو من باب أنه صاحب فكر!.
نعم، يجب أن نتعرف على فكر العدو، ولكن هنالك فرقا بين التعرف والدراسة، وبين تقديم الدعم من خلال تقديم المنبر، أو تقديم التبريرات والتموضع في خانة محامي الشيطان والدفاع عن ذلك!
قد قلتها من قبل وأرددها اليوم: من يتنازل عن نقطة، يسهل عليه أن يتنازل عن بحر، لا سيما وأننا نعيش في عصر الإعلام الذهبي، وهو في أوج سيطرته وتأثيره... وبالتالي يتم التأثير على العقول قبل إحداث التغيير الفعلي على أرض الواقع.
ففي الحروب مثلا، تبدأ الهزيمة من العقول قبل أن تنتقل إلى أرض المعركة، وعليه فصناعة الفكر اليوم أصبحت صناعة إعلامية بامتياز... ومَن أفضل من المثقف كي يسهم في هذه العملية؟ سواء كان ذلك بتجنيد أو شراء أو استغلال لغرور المثقف الذي يظن أنه يقدم إبداعات، ويعيش في حالة هلامية صنعت خصيصا له... بينما هو يعطل أو يدمر أو يحيد البوصلة عن اتجاهها الأصلي!.
حين نتابع الحقائق أو ما يتم عرضه على أنه حقائق، يجب ألا نتوه نحن عن الحق، ليس لدينا عذر.. لدينا العقل ولدينا مهارات البحث وأمامنا الفضاء الواسع من المعلومات، الذي تقدمه الشبكة العنكبوتية. وحين نختار أن نتقبل الآراء دون تمحيص أو تدقيق أو حتى مراجعة، فإننا نستحق أن نقاد إلى أي خندق يراد لنا أن نُقذف بداخله، فلا تقدم ولا رجعة، بل تجمد إلى أن يظهروا مجددا بخندق آخر، فيمدونا بالوسائل للتقدم بالسرعة والاتجاه الذي خطط مسبقا.. وكل ذلك لأننا انبهرنا بكاريزمة هذا أو شعبية ذاك!.
تقول الدكتورة ثريا العريض: ليس كل من يصفق له الجمهور يحمل وعيا: حقيقيا أو حقوقيا أو حقائقيا... العبرة في الرسالة لا العرض، ويقول إدوارد سعيد: إن مداد قلم الكاتب مقدس مثل دم الشهيد، عن أي كاتب يتحدث؟ لنفكر... هل هو الذي يثقف ويرتقي.. يحمل هموم مجتمعه وعلى علاقة وثيقة معه، أم هو الذي يضلل؟.. هل هو الوطني أم المأجور؟
وكمثال، لندرس حالة تلك الشخصية المعروف خلفيتها بعلاقاتها الوثيقة مع العدو الصهيوني، ويريدون أن نراها ونتقبلها من خلال عدسات حرية الرأي والديموقراطية على أنها صاحبة فكر! هل يفعلون ذلك عن قصد أم عن جهل أو لنقل عن حسن نية بناء على ما يؤمنون به؟ لا يهم.. ففي كل الحالات في نظري.. مذنبون؛ لأنهم قدموا أنفسهم لنا على أساس أنهم مثقفون، والمثقف مؤثر في مسيرة المجتمع، لذا وجب عليه أن يبحث ويتأكد قبل أن يدلي بكلمة أو يتخذ موقف سلبيا أو إيجابيا من أي قضية.
يعرّف جوليان يندا، المثقفين بأنهم ضمير البشرية... هذا حينما يكون الضمير حيا والإرادة وطنية!.
للأسف إن ما نعيشه من جحيم عربي كان أول وأهم أدواته مثقفينا! لقد تم اختراقنا كمجتمعات وكأمة عربية من خلال الجسد الثقافي.. هذا الجسد الذي كان يجب أن يكون الحصن القوي أمام أي اختراق، وعليه السؤال هنا: كيف يمكننا أن نحصن الجسد الثقافي العربي؟ الإجابة ليست عندي بل عندكم...؟
نحتاج إلى حوار بناء.. لنفكر.. لنبحث منطلقين من نقطة ثابتة هي الوطن.. بل أوسع من ذلك.. الأمة العربية؛ لأن ما يجب أن ننتبه إليه ليس فقط دور المثقف، بل أيضا ماهية هذا المثقف وطبيعته وقيمة ما يقدمه.
فمن قال إن الإبداع هو في التضليل أو الترويج لأفكار عنصرية أو تكفيرية أو إقصائية أو أفكار العدو، من قال إنه لا يمكن أن يكون إبداعا إن لم يهز ثوابت المجتمع بل ثوابت الأمة الثقافية والحضارية، أين الإبداع في نشر العداء والتفرقة بين أبناء المجتمع الواحد.. الأمة الواحدة.. أين الإبداع في منتج فكري يحث على الصدام مع العقيدة أو التهجم على الدين أو التطبيع مع العدو؟!