المطلوب الآن كخطوة أولى بث الحياة في مراكز الأحياء حتى تحصل على ثقة المواطن بحيث يكون له سجل طبي تماماً مثل المستشفيات الكبيرة، وفيه مرافق ذات جودة إنشائية، واحترافية في التعامل مع الحالات التي تصل إليه

لا بد أن لكل منا رواية يرويها حول الخدمات الصحية في بلادنا في الوقت الذي يجب أن تكون فيه خدماتنا، ليست الصحية فقط، بل جميع الخدمات على أعلى مستوى بحكم امتلاكنا في بلادنا - ولله الحمد - جميع (وأقول جميع) الإمكانات التي تكفل توفر الخدمات على أعلى مستوى.. ولا عذر لأي مسؤول في أي قطاع تنموي..
وحديثنا هنا اليوم يتركز على الخدمات الصحيه ولهذا نسأل: لماذا نشعر بتدني الخدمات الصحية؟ وهل هي متدنية فعلاً؟ الجواب نعم ولا.. كيف؟ الخدمات الصحية المتوفرة في بعض مستشفياتنا جيدة وتفي بالغرض في الغالب الأعم باستثناء بعضها، بدليل مجيء البعض للاستشفاء عندنا هذا إذا تحدثنا عن وجود نماذج لكن حتى في هذه النماذج إذا اضطررت بشكل طارئ للحصول على سرير فيها فإنك لا تجد ولا أدري هل ذلك بشكل عام أم أنه فقط يحصل في ظرفك الخاص الذي تعرضت له، لكنك لا تروي قصتك لأحد إلا ويتبعها بقصة مثلها، وهذا بلا شك خلل كبير في الخدمات الصحية التي تقدم، فهنا يستوي مستوى الخدمة ومدى توفرها في الوقت الذي تحتاجها فيه، فإذا لم تتوفر في الوقت الذي تحتاجها فيه فالأمر سيان، تدني بلا شك.. ولهذا قلنا إن الخدمات الصحية متدنية وغير متدنية.. والتدني الذي نتحدث عنه يشوه الجهود التي تبذل والمبالغ التي تصرف ووجه بلادنا المشرق، خصوصاً أن الأمر يتكرر.. إذن ما العمل؟
هل يعني هذا أن عدد المستشفيات والمراكز الصحية الموجودة على طول البلاد وعرضها ليست كافية؟ أنا لا أظن ذلك بل أظن أن خللاً ما موجود في منعطفات الإدارة الصحية.. فما هو؟ قبل أن أقول لكم ما هو أسألكم أولا سؤالاً ندلف منه إلى الإجابة: هل لاحظتم الزحام الشديد في المستشفيات في إجازة آخر الأسبوع خاصة وفي بقية أيام الأسبوع بشكل عام، وكأنك في مجمع تجاري أو في ملتقى جماهيري حتى لا تكاد تجد طريقاً في الممرات دون أن يصطدم كتفك بكتف آخر وفي مساجد المستشفيات تتم الصلاة جماعات مختلفة في الفرض الواحد جماعة تلو الجماعة.. هذا الاحتشاد اللافت للنظر يقول لنا أشياء: أولاً يلاحظ أن المراجعين للمستشفيات الكبيرة يراجعون لأسباب كثيرة لا تحتاج مراجعتها للمستشفيات الكبيرة، وهذا خلل كبير يشغل العاملين في المستشفيات الكبيرة التي يجب أن تفرغ كل إمكاناتها للأمور التي تستحقها فعلاً.. لكن كيف يمكننا فعل ذلك؟ يمكننا فعل ذلك إذا أصلحنا الخلل الإداري الكبير، الذي جعل واجهتنا الصحية متدنية وجعل الناس يذهبون للمستشفيات الكبيرة في كل الحالات وجعل كل ما أنشأناه من مستشفيات على مدى الزمن غير كافٍ.. ذلك الخلل هو التعطيل الكامل الحاصل في مراكز الأحياء الذي يعد وجودها صورياً بالرغم من ما يصرف عليها من مال وجهد، ولا بد من تفعيل تلك المراكز بشكل يتم فيه فتح ملفات لتسجيل سكان الحي ودعمه بالطواقم الكافية للحالات الطارئة والأمراض التي لا تتطلب خدمات صحية متقدمة بدرجة نعيد الثقة فيها ونجعل الجمهور يتجه لها لمعالجة تلك الأمراض، ومن تثبت حاجته لخدمات صحية متقدمة يتم تحويله للمستشفى المناسب أو حتى للعلاج خارج المملكة.. يا أحبتي لماذا لا نعمل كما يعمل الآخرون وأقسم لكم أن الأمر ليست فيه صعوبة ويقلل من التدافع المحموم غير المبرر للمستشفيات الكبيرة.. في دول العالم إذا شعرت بألم تذهب لطبيب العائلة في مكان يشبه المراكز الصحية لدينا الذي أظن أنها أنشئت على غراره.. حتى العمليات البسيطة إزالة التهاب أو عملية خراج أو ضمادات بكل أنواعها تتم في تلك المراكز بالإضافة إلى علاج الأمراض الشائعة البسيطة.. هذا يوفر علينا كثيراً من الجهود ويجعل خدماتنا الصحية تبدو عالية المستوى.. حدثني صديق أنه حاول الحصول على سرير بشكل عاجل في أي مستشفى خاص أو عام كبير أو صغير لحالة طارئة لقريبة له فلم يجد إلا بتدخلات ذات مستوى عالٍ وبعد يومين من بحثه.. وآخر أقسم لكم إنه قال لي إن إسعافا دار بقريبة له على كل المستشفيات حتى تدنت حالتها وفقدت الوعي!!!
وقد تكون لكل منكم قصة.. المطلوب الآن كخطوة أولى بث الحياة في مراكز الأحياء حتى تحصل على ثقة المواطن، بحيث يكون له سجل طبي تماماً مثل المستشفيات الكبيرة، وفيه مرافق ذات جودة إنشائية، واحترافية في التعامل مع الحالات التي تصل إليه كما ذكرنا سابقاً، وطلب زيارة أخرى وتوثيق كل ذلك في السجل لمتابعة الحالات.. هنا نستطيع أن نخفف العبء على وزارة الصحة بالمطالبات والاستمرار في بناء صروح صحية كبيرة وكثيرة قد لا نحتاج إليها جميعها في حالة تم تفعيل مراكز الأحياء.. صحيح أن هناك زيادات في أعداد السكان لكن المطالبات بإنشاء مرافق صحية بالشكل الذي نسمعه ونراه سببه لجوء الناس جميعهم لتلك المرافق لأن الثقة مفقودة تماماً في مراكز الأحياء التي تدعو أشكالها للشفقة ولا تستحق أن نطلق عليها مرافق صحية بل قد لا تستحق ما يصرف عليها من مال وجهد.. وتفعيل دور مراكز الأحياء إلى جانب تخفيف أعباء كبيرة على المستشفيات يمكنه مباشرة الحالات الطارئة بشكل أولي قبل فوات الأوان إلى أن تصل للمستوى الطبي الذي تحتاجه قبل فوات الأوان، فبعض الحالات لا يجب أن تتأخر عن عشر دقائق حمانا الله وإياكم، خصوصاً في المدن الكبيرة التي قد تكون فيها صعوبة لمباشرة حالات طارئة خلال عشر دقائق.. إلى جانب أن مراجعة الأحياء توفر الوقت على الناس وتخفف الازدحامات لاضطرار الناس الخروج من أحيائهم إلى حيث وجود المستشفيات.. وكلنا نلاحظ التدافع والازدحام في تلك الأماكن.. وخلاصة القول إذا كانت المراكز الصحية في مقار مناسبة وتوفرت فيها الخدمات والطواقم المناسبة للحالات الطارئة والشائعة وتفتح سجلات لسكان الحي لمتابعة حالاتهم سنعيد الثقة على مدى فترة بسيطة لهذه المراكز عندما يبدأ سكان الحي يتحدثون لبعضهم أن مركز حيهم يوجد في مكان مناسب وتم دعمه بطواقم مناسبة وفتحت سجلات للمرضى لمتابعة حالاتهم.. أرجو أن يعطي وزير الصحة الجديد وهو الإداري القدير هذه المراكز جزءا من انتباهه وأنا واثق من تمكنه من إعادة الحياة والثقة والدور الفاعل لتلك المراكز وسنرى أثر ذلك مباشرة.. وأنا متأكد من ذلك.