إن وجود المشكلة في نظام أو مؤسسة أو حتى مجتمع ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بفشل، بل بالعكس هو بذلك يكون أنموذجا للمجتمع الحي النابض المتطور. دعى أفلاطون منذ أكثر من ثلاثمئة عام قبل الميلاد لمدينة فاضلة يسودها النظام والرقي في كل مجالاتها، ولكني أزعم أنه فشل، وسوف يفشل كل من يحذو حذوه، فالكمال وسيلة للتقدم وليس غاية نسكن إليها! إن ما دعى إليه أفلاطون ينافي الطبيعة البشرية بكل الأحوال، فالإنسان بطبعه لا يقنع لشيء ونزعة التطور لديه فطرية، فحتى لو سُقيا الماء بتحريك اللسان لتمناه برمشة العين.
ما يهمني هنا، هو أن المجتمعات كلها ذات نفس المشاكل من أقصى الغرب حتى أدناه، وهذا لا يعني أننا سواء! نعم.. نحن لسنا سواء ولو اشتركنا مع غيرنا من المجتمعات في نفس المشاكل، فهناك فارق جوهري ألا وهو طريقة التكيف والتعامل مع تلك العقبات والمشاكل، فلقد تقدم من قبلنا بالتعامل المنطقي، فهُم لم يبحثوا عن الحلول قبل أن يعترفوا أولا بوجود المشكلة، ثم وضع الحلول المناسبة والمنطقية لحل تلك المشكلة، هم باختصار كانوا أكثر شفافية وواقعية وتدرجا في حل مشكلاتهم، مما جعل تكرارها أمرا مستحيلا أو أشبه بالمستحيل، فعند سقوط جسر أو غرق نفق لم يبدؤوا في بناء غيره قبل أن يعترفوا أولا، ثم يضعوا الحلول ثم يطبقوا المعقول منها والمنطقي؛ حتى لا تتكرر في المستقبل القريب، ولا حتى البعيد.
أخيرا.. الحلول العاجلة والارتجالية تعالج مشكلة اليوم ولا تنهيها، هي فقط محاولة لهدر الموارد والميزانيات بطريقة مبتكرة وجديدة!.