كان الرئيس السابق/ جمال التحرير بن أحمد خاشقجي يستغرب من كاتبٍ يطلب إجازة! وكأنه يطلب التوقف عن أنفاسه أو نبضه! ولهذا لم يطلب الأخ/ أنا إجازته الرسمية طيلة رئاسته، والعاقل من اتعظ بالشيحي وإخوانه!
أما أستاذنا رئيس التحرير المكلف، واسمه الحركي: أبو معاذ فلم... لحظة لو سمحتُنَّتُم: أطقطق حميري العشرة.. فاكرين؟ ولمن لم يكن من الـفاكرين فالمقصود: أصابعي العشر التي تعرف طريقها نحو الحروف المطلوبة على الكي بورد بحيث أكتب مغمض العينين، ثم أفتحهما على أغنية بحبك يا حمار! طقطقنا الحمير فأين وصلنا؟ نعم.. لم يتردد أبو معاذ في الموافقة على الإجازة؛ ليس إسهاماً منه في تصفيد الشياطين! وليس لأنه يريد أن يريح قلبه المثخن بمتاعب المهنة، بعد أن خضع لعملية قسطرة، وأقلع عن القلق نهائياً عبر خطوط النسخ والرقعة الجوية العربية السعودية؛ رغم شكوك طبيبه الشهير الدكتور/فهد النوري، الأديب المثقف الذي عُيِّنَ استشارياً وجراحاً بمركز الأمير/سلطان بن عبدالعزيز للقلب! ولم يوافق أبو معاذ على التأجيز شفقةً منه على وزارة التربية والتعليم، ولا رأفةً ببنوك مرتاع البال! بل لأن القارئ هو طالب الإجازة، وليس الموصوف بـالكاتب في أشهر الأخطاء الثقافية شيوعاً، والصواب: أن المتلقي هو الكاتب الفعلي لأية فكرة!
القارئ في أي كاتب هو: الضحية الأولى لهذا الركض اليومي، وهو المطحون في أمر عذاب وأحلى عذاب! ومعظمنا معاشر الكتاب ـ ولولا حرمة العيد لقلت: كلنا جميعاً بلا استثناء ـ ذُهل حتى لم يعد يقرأ لنفسه ولا لزملائه في الصحيفة نفسها! ولن يجد فرصةً أحلى من رمضان لاستعادة لياقته القرائية ومقاومة أكسدة الإحباط، والإحساس بعدم الجدوى من الكتابة من لغاليغها!
أما المتلقي فهو بحاجة إلى إجازة القارئ ليعيد فرمتة جهاز التلقي لديه، بعد أن اخترقته فيروسات الوصاية من الكتاب ما غيرهم، فراح يرد إليهم بضاعتهم المزجاة: تغير الكاتب زعيط! أصبح يكرر نفسه! ياخسارة بل لقد أفلس وصار يكتب للمادة فقط، متشاغلاً عن مجتمعه بتفاصيل حياته الشخصية منذ أن يصحو ويفرِّش أسنانه، إلى أن تطرده المدام لدى عودته مطلع الفجر! انظر بالله عليك: حتى في رثائهم لـبلدوزر الحداثة والتنوير الضخم/ غازي القصيبي لم يجد الكتاب إلا: ما قال لي وقلت له/ وجا لي ورحت له/ ياعوازل فلفلوا!
فما أحوج القارئ للإجازة لعله يكتشف ولو لحظة: أن فاعل تغير، وتكرر، وتشخصن المرفوع على الرأس هو القارئ نفسه، وليس الكاتب! وقد رانت على قلبه الوصاية فلم يعد يتوقف عند حقه في أن يقول مثلاً: علي الموسى لايعجبني، بل يتعدى إلى القول: وإذا لم يعجبني فلا يمكن أن يعجب أحداً إطلاقاً! وأي أحد يُعجب به فهو أربعاء لا خير فيه!