المطلوب من الدول الإسلامية، ومنظمة التعاون، ورابطة العالم الإسلامي، وغيرها من المنظمات إقناع الأمم المتحدة بزيادة عدد وإمكانات وصلاحيات القوات الدولية الموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى، بما يمكّنها من حماية المسلمين من الإبادة
في يوم الخميس الماضي 1 مايو، قال جون جينغ، مدير العمليات الإنسانية في هيئة الأمم المتحدة، إن المجتمع الدولي قد فشل في حماية المدنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى. وهو تعبير دبلوماسي متحفظ، بالنظر لحجم وهول الجرائم التي ترتكب هناك ضد المسلمين، وباعتبار أن الأمم المتحدة نفسها قد أسهمت، دون قصد، في تفاقم مأساتهم.
وأخبر جينغ الصحفيين في نيويورك، بعد عودته من زيارة لذلك البلد المنكوب، الحقيقة أن الآلاف قد قتلوا هناك بأبشع الطرق، وفر مئات الآلاف. في واقع الأمر هي عملية تطهير عرقي.
قال جينغ أيضا إن الناس قد فقدوا إنسانيتهم، وربما كان يقصد بالناس سكان أفريقيا الوسطى، ولكن الوصف ينطبق علينا جميعا، حينما نشيح بأنظارنا ولا نحرك ساكنا أمام الجرائم التي مازالت ترتكب ضد الأقلية المسلمة هناك.
وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن التطهير العرقي، ويقصد به إبادة أو طرد المسلمين بالقوة قد بدأ منذ يناير 2014، ومازال مستمرا، حيث أجبر سكان قرى وبلدات وأحياء بكاملها على الفرار، وقُتل منهم الآلاف بأبشع الطرق على يدي الميليشيات المتطرفة المعروفة بـأنتي ـ بالاكا. ويصف تقريرها المعنون التطهير العرقي والقتل الطائفي في جمهورية أفريقيا الوسطى جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها تلك الميليشيات التي استهدفت أحياء المسلمين وبلداتهم.
وقد تُرك مسلمو جمهورية أفريقيا الوسطى لمصيرهم المظلم، على الرغم من وجود قوات حفظ السلام الدولية، التي تعمل بتفويض من مجلس الأمن هناك. والأسوأ من ذلك، أن تلك القوات أسهمت دون قصد في تسهيل عمل الميليشيات المعادية للمسلمين.
ففي ديسمبر 2013، بناء على قرار مجلس الأمن بإرسال قوات لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، تم نشر نحو 5500 من قوات الاتحاد الأفريقي، و1600 من القوات الفرنسية، في العاصمة بانغي وعدة أماكن أخرى في الشمال والجنوب الغربي. ولكنها وقعت في خطأ مميت حين بدأت في تضييق الخناق ونزع السلاح من ميليشيات سيليكا الموالية للرئيس الموقت حينذاك ميشيل جوتوديا، التي كانت توفر بعض الحماية للمسلمين. إلا أن القوات الدولية لم تنتشر في المناطق التي أخلتها تلك الميليشيات، وسرعان ما استغلت ميليشيات أنتي- بالاكا المعادية للمسلمين الفرصة، وانتشرت في أحياء المسلمين وبلداتهم، خاصة بعد منتصف يناير 2014، حينما فر الرئيس يوتوديا إلى بنين، مما ساعد على تفكك الميليشيات الموالية له.
وفي البداية استهدفت ميليشيات أنتي- بالاكا مقاتلي سيليكا، ولكن بعد هزيمة سيليكا، بدأت تلك الميليشيات في مهاجمة المدنيين المسلمين، وارتكبت مذابح جماعية، ونهبت وأحرقت منازلهم وبلداتهم ومتاجرهم، بهدف إرهابهم وطردهم من البلاد.
وبعبارات أخرى، أدى نشر القوات الدولية إلى تغيير ميزان القوى لصالح الميليشيات المعادية للمسلمين، مما جعل المسلمين فريسة سهلة لميليشيات أنتي- بالاكا. فمع أن ميليشيات سيليكا كانت هي الأخرى مسؤولة عن ارتكاب الكثير من الجرائم، إلا أنها كانت توفر قوة ردع حمت تجمعات المسلمين قبل هزيمتها على يد القوات الدولية في يناير 2014، بعد فرار زعيمها الرئيس السابق يوتوديا إلى جمهورية بنين. وانسحبت قوات سيليكا من أماكن تجمع المسلمين في العاصمة بانغي وخارجها. وبدلا من أن تقوم القوات الدولية بملء الفراغ في أحياء المسلمين، تركتها مفتوحة للمليشيات المعادية لهم.
ويقول تقرير منظمة العفو، إنه حين بدأت الميليشيات في مهاجمة المسلمين، لم تتخذ القوات الدولية إجراءات تذكر لوقف هجمات ميليشيات أنتي- بالاكا ضد المسلمين. ففي بلدة تلو الأخرى.. قتلوا المئات من المدنيين المسلمين، وارتكبوا مذابح متعددة، ونهبوا بيوت المسلمين ومحلاتهم التجارية، وأحرقوا ودمروا المساجد. قتلوا النساء والأطفال، وأبادوا عائلات بأكملها. وكان هدفهم المعلن هو تخليص البلد من المسلمين إلى الأبد.
ومازالت هذه الأعمال الوحشية مستمرة ضد مسلمي جمهورية أفريقيا الوسطى، والتحرك الدولي شديد البطء، على الرغم من تصريح تلك الميليشيات بأن هدفها التطهير العرقي، أي إبادة المسلمين، وعلى الرغم من عدة حالات تم فيها توثيق ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ومسؤولية الأمم المتحدة في وقف هذه الانتهاكات مضاعفة، فبالإضافة إلى مسؤوليتها في وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة، فإن تلك الفظائع ارتكبت في مناطق انتشار قوات السلام الدولية التي أقرها مجلس الأمن، تمولها وتشرف عليها الأمم المتحدة، كما أن تصرفات تلك القوات قد أسهمت دون قصد في تفاقم المشكلة، كما أسلفت.
ومن الواضح الآن، ما كان مفروضا أن تقوم به تلك القوات، وهو ألا تترك أحياء المسلمين وبلداتهم دون حماية، بعد أن نزعت سلاح القوات التي كانت تدافع عنها. ومن الواضح كذلك ما ينبغي عمله الآن لتصحيح ذلك الخطأ، هو نشر القوات الدولية في أقرب فرصة ممكنة في جميع ما تبقى من مناطق المسلمين لتوفير الحماية لهم.
ولكن تصريح السيد جون جينغ يوم الخميس الماضي، الذي أشرت إليه في مطلع المقال، يُظهر أن الأمم المتحدة لم تتخذ حتى الآن قرارا بتوفير الحماية المطلوبة للمسلمين، فهو يتحدث كمراقب يصف الأمور، ويتأسف على ما آلت إليه، بدلا من اتخاذ إجراءات عملية لوقف المذابح التي يتعرضون لها.
ومن الواضح كذلك أن قوات السلام الدولية الحالية لا تكفي لإعادة النظام والأمن وحماية المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى. ومع أن الاتحاد الأوروبي يعتزم إرسال قوات إضافية في منتصف سبتمبر 2014 قد يبلغ عددها 12 ألفا، أو ضعف عدد القوات الحالية، إلا أن ما يتعرض له المسلمون هناك لا يحتمل الانتظار أربعة أشهر أخرى.
ولذلك، فإن المطلوب من الدول الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وغيرها من المنظمات الإسلامية إقناع الأمم المتحدة بزيادة عدد وإمكانات وصلاحيات القوات الدولية الموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى، بما يمكّنها من توفير حماية فعالة للمسلمين هناك.
ومما يتطلب الاستعجال كذلك، زيادة المساعدات الإنسانية للتجمعات الإسلامية المحاصرة، وللمسلمين المهجرين في أنحاء جمهورية أفريقيا الوسطى، إضافة إلى مخيمات وتجمعات اللاجئين في الدول المجاورة.