أقترح اختيار أماكن تتوسط عدداً من القرى المتقاربة، وإنشاء مدارس تتوفر فيها كل المرافق والمعامل وكل ما يكفل توفير التعليم والتربية، واستحداث وسائل نقل بمستوى ممتاز لنقل طلاب تلك الهجر والقرى ويكون النقل عن طريق شركات نقل مرخصة
إحدى مشاكل التعليم مدارس القرى.. ويحسب للدولة أنها وفرت التعليم لكل محتاج له، ليس فقط في المدن بل أينما كان في السهل والجبل والقرية والهجرة مهما كان بعدها ومهما كانت وعورة الطريق لتلك القرى والهجر والسهول والجبال.. إلى أن أصبحت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي أعلى نسبة في العالم: 100% هذه حقيقة، ترتب على هذا الإنجاز الكبير جهد كبير وأموال طائلة، وما زال هذا الجهد يبذل وما زالت الأموال الطائلة تنفق برحابة صدر لأنه لا خيار إلا الاستمرار في توفير التعليم في كل شبر من المملكة.
هذه حقائق يجب معرفتها وتوثيقها، وهذا الوضع مستمر منذ عقود، وفي ظني أنه يجب التوقف عند هذا النوع من المدارس وطرح أسئلة كبيرة حوله: ما هو مستوى التعليم الذي تقدمه تلك المدارس لمنسوبيها؟ وما هي تبعات إرسال معلمين ومعلمات لهذه المدارس؟ وما هي تكلفة الطالب في هذه المدارس؟ سنصاب بالذهول عندما تتوفر لنا الإجابات بشكل علمي عن هذه الأسئلة، والمتخصصون والخبراء في التربية والتعليم يعرفون تمام المعرفة سلبيات حول هذه المدارس، وسأستعرض هذه الحقائق ثم أقدم مقترحاً لعل فيه الخلاص من سلبيات تلك المدارس والقضاء على المشكلات التي ترتب على وجودها:
أولاً: حقائق حول مدارس تلك القرى:
1- بعض هذه المدارس لا يصل عدد الطلاب فيها إلى عشرين طالباً يزيد قليلا أو ينقص قليلاً، ويترتب على ذلك دمج بعض الفصول حتى يكون الصف الأول والثاني وأحياناً الثالث في غرفة واحدة ومعلم واحد يتنقل بين الطلاب لتدريسهم مواضيع مختلفة في نفس المكان وفي نفس الحصة، وهنا يكون نصيب كل فصل من الوقت أقل من الوقت المعتاد لأن زمن الحصة (45 دقيقة) يقسم بين عدد الفصول التي تدرس في نفس الفصل.. إلى جانب تشتت الذهن وانعدام تركيز الطلاب بسبب شرح المعلم لمواضيع مختلفة في نفس المكان.
2- يحرم طلاب هذه المدارس من التفاعل المطلوب داخل الفصل وخارجه.. لأن قلة عدد الطلاب لا تسمح بقيام الأنشطة اللاصفية التي تعتبر ضرورة ملحة لا يمكن للعملية التربوية والتعليمية أن تكتمل بدونها.. ثم إن مباني تلك المدارس لا تتوفر فيها المرافق والمعامل بالمستوى الذي تتوفر في المدارس الكبيرة كاملة التشكيل، وهنا يقول خبراء التربية إن التعليم يتحقق في مدارس القرى والهجر بنسبة لا تزيد عن 30%، وذلك بسبب غياب التفاعل بين الطلاب وغياب الأنشطة التي تتطلب مرافق ومعامل بنفس مستوى المدارس الموجودة في المدن.
3- نحتاج إلى إرسال معلمين ومعلمات لتلك المدارس ليقول لنا الواقع المشاهد ما يأتي:
أ- معظم المعلمين والمعلمات يذهبون إلى مدارسهم من سكنهم في المدن عند الفجر أو قبل الفجر ويصلون متعبين مرهقين بدرجة لا يتمكنون من تأدية واجبهم التربوي والتعليم المضني بالدرجة التي يتطلبها العمل في مجال التربية والتعليم.
ب- بعض المعلمات يسكن في القرى بمرافقة أم إحداهن بالتناوب كل أسبوع، وهذا فيه مشقة على العائلات التي تضطر الأم لترك منزلها وأولادها حتى تأخذ دورها في المرافقة.
ج- حوادث الموت التي تعرض لها بعض المعلمات ويتعرضن لها لأسباب نتفق أو نختلف عليها إلا أنها نتيجة سفرهن للتدريس في المدارس التي يعملن فيها في القرى.
د- تكلفة الطالب في مدارس الهجر والقرى البعيدة أكثر من 60 ألف ريال للطالب الواحد، بينما زميله أو زميلته في المدن لا تتعدى التكلفة 6 آلاف ريال للطالب.
ثانياً: الحل المقترح:
في ظني أنه لا بد من دراسة مستفيضة لهذه المشكلة المؤرقة في التعليم، وأطرح هنا هذا المقترح الذي أظنه لا يحل هذه المشكلة فقط، بل يرتقي بمستوى الحياة لكل المواطنين والمواطنات في تلك القرى والهجر.. ويتمثل الحل فيما يأتي:
1- حصر جميع القرى التي توجد فيها مدارس لا يتعدى عدد طلابها حدا معينا، وليكن 50 طالبا أو طالبة.
2- اختيار أماكن تتوسط عدداً من القرى المتقاربة، وتكون تلك الأماكن قابلة للنمو، وقد تكون تلك الأماكن إحدى تلك القرى، ويتم إنشاء مدارس تتوفر فيها كل المرافق والمعامل وكل ما يكفل توفير تعليم وتربية لا تقل مستوى عنها في المدن وتوفير نقل بمستوى ممتاز لنقل طلاب تلك الهجر والقرى، ويكون النقل عن طريق شركات نقل مرخصة بعد تعبيد الطرق من وإلى تلك المدارس.. ويوفر في هذه الأماكن كل الخدمات الصحية والأمنية وجميع الإدارات الحكومية.. وهنا ستنشأ سوق لتوفير السكن والأسواق والمواد الغذائية تمكن المعلمين والمعلمات من السكن والاستقرار في تلك الأماكن الأمر الذي سينعكس إيجاباً على العملية التربوية والتعليمة، لأن المعلمين والمعلمات لا يضطرون للسفر الذي يترتب عليه التعب والإرهاق اللذين لا يمكنان المعلمين والمعلمات من تأدية عملهم بالمستوى المطلوب.. كما أننا سنقضي على ظاهرة حوادث المعلمات التي نسمع عنها بين حين وآخر نتيجة امتطائهم سيارات لا تتوفر فيها السلامة، وقد يكون السائقون غير مرخصين، وقد يكون التعب والإرهاق سببا آخر في تلك الحوادث.. هنا نكون قد ضربنا عصافير كثيرة بحجر واحد.
3- هذه العملية توفر على الدولة عشرات المليارات من الريالات لأن تكلفة الطالب ستنخفض.
وخلاصة القول كما تلاحظون نحن بهذا المقترح لم نرتق بمستوى التعليم في القرى والهجر فقط، والذي يعتبر مسؤولية كبيرة ومعضلة مزمنة تتحمل وزرها وزارة التعليم، ولم نتجنب الحوادث التي تتعرض لها المعلمات، بل ارتقينا بحياة إنسان تلك القرى والهجر التعليمية والصحية والاجتماعية والحياتية بشكل عام، ونحن في العصر الرقمي لا يمكن أن نسمح لهذه المشكلة أن تستمر أطول من ذلك.
أعرف أن هناك مشكلة ستنشأ من رؤساء القبائل، لكن لا بد من إقناعهم بأن هذا الأمر يصب في مصلحتهم، وأن الارتقاء بمستوى حياتهم ضرورة يحتمها العصر ولا يمكن مجاراتهم في ما ليس في مصلحتهم، ولا مصلحة أبنائهم فيما يتعلق بالتعليم والتوظيف ومستوى الحياة.. أرى أننا لا بد أن نسارع في وضع هذا الملف على الطاولة وحله لنقضي على مشكلته والمشكلات المترتبة عليه.