هناك عدم وضوح لمفهوم التربية البدنية لدى كثير من المعارضين، حيث يرون أن التربية البدنية فقط محصورة في لعبة الكرة، وهذا مفهوم منقوص، كما كان تركيز المؤيدين للرياضة في مدارس البنات منصبا على الجوانب الصحية
استمتعت كثيرا بالاستماع إلى حوار راق، وهادئ، وبعيد عن التشنج بين مجموعتين حول موضوع التربية البدنية في مدارس البنات في إحدى المناسبات الاجتماعية، وما أثير حول هذا الموضوع من كلام كثير بين مؤيد، ومعارض، وكان قرار مجلس الشورى بالتوصية بالموافقة على دراسة التربية البدنية هو ما أدى إلى هذا الحوار، وكانت كل مجموعة تحاول أن تقنع الأخرى بما قد يترتب على تضمين التربية البدنية في مدارس البنات كمقرر دراسي سواء من جوانب إيجابية يعرضها المؤيدون، أو من جوانب سلبية يخشاها المعارضون، وكل فئة لديها من التبريرات ما تراه مقنعا لها لكي تدافع عن وجهة نظرها، وهذه ظاهرة صحية في مجتمع يؤمن بالنقاش الهادف، وهنا أعتقد أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قد أثر - على الأقل - في أفراد هاتين المجموعتين اللتين تابعت حوارهما بنوع من الارتياح.
ومن ضمن ما أورده المعارضون للتربية الرياضية تخوفهم من خروج البنات عن الحشمة من خلال ارتداء الملابس الرياضية التي تتطلبها مثل هذه البرامج وما يترتب على هذا النوع من اللبس من إبراز أجزاء الجسم، كما يرون أن حصص التربية الرياضية في مدارس البنات قد تخصص لها الحصص الأخيرة مما يجعل البنات يخرجن بعد انتهاء اليوم الدراسي بلبس الرياضة، وهو غير مناسب، أما التخوف الآخر فهو يركز على ما قد يترتب على التربية البدنية في مدارس البنات من جوانب أخرى قد لا تكون واضحة في البداية، بل قد تأتي في المستقبل كنتيجة حتمية للتربية البدنية في مدارس البنات، مثل الدوري الرياضي للبنات على المستوى المحلي، وقد يصل به الحد إلى مستويات إقليمية، أو دولية، وهناك تخوف آخر بأن الرياضة في مدارس البنات قد تؤثر على أنوثتهن، وهذا أغلب ما دار من تبريرات قدمت من قبل المعارضين لفكرة التربية البدنية في مدارس البنات.
أما المؤيدون فقد قدموا بعض الأسباب التي جعلتهم يؤيدون التربية البدنية في مدارس البنات، ومن أهمها أن هناك مشكلة كبيرة تعاني منها نسبة كبيرة من البنات في هذه الأيام، وهي مشكلة السمنة المفرطة، والكسل، والخمول وعدم الحركة، سواء في البيت أو في المدرسة، وهذا قد يؤثر بدرجة كبيرة على الصحة، ويعمل على زيادة أمراض القلب لهذه الفئة من أفراد المجتمع، كما أن أفراد هذه الفئة يقدرون ما أورده أفراد الفئة المعارضة من تخوفات، لكنهم لا يرونها عائقا في سبيل تحقيق أهداف التربية البدنية للبنات في مدارسهن لأهدافها؛ ولأن العقل السليم في الجسم السليم، كما عرض المؤيدون لهذا التوجه أن التربية البدنية للبنات لدى أغلب المعارضين تقتصر على لعبة الكرة، وهم يرون أن هناك أنواعا كثيرة من الرياضات تلائم طبيعة البنات، ولا تتعارض مع قدراتهن، وإمكاناتهن الجسمية، كما يرون أن الرياضة في حالة تطبيق أنشطتها بنوع من الاستمرار في أوقات اليوم الدراسي في الحصص المخصصة لها، واستكمال بعض الأنشطة بعد اليوم الدراسي في المنزل، ستعمل على تخفيف الأوزان، والعيش بصحة جيدة.
ومن خلال متابعة أحداث هذا الحوار الجميل توصلت إلى عدد من الجوانب التي سيتم عرضها والتعليق عليها، ومن أهم هذه النقاط التي تمت ملاحظتها هي أن المعارضين لم يوردوا دليلا من القرآن والسنة المطهرة يحرم مزاولة المرأة للرياضة في مكان يضمن لها الخصوصية، مع مطالبة بعض الأفراد المؤيدين بدليل يحول دون ممارسة المرأة للرياضة، وكان هناك عدم وضوح لمفهوم التربية البدنية لدى كثير من المعارضين؛ حيث يرون أن التربية البدنية فقط محصورة في لعبة الكرة، وهذا مفهوم منقوص، وغير كامل، كما كان تركيز المؤيدين للرياضة في مدارس البنات منصبا على الجوانب الصحية، وما يترتب على ممارسة الرياضة من انعاكاسات إيجابية، وهذا ما يقره، ويوافق عليه أكثر الأفراد المعارضين لها، فهناك إقرار منهم بأهمية ممارسة الرياضة للبنات، بما يتوافق مع قدراتهن، ويضمن حشمتهن، ولكن تخوفهم ما زال موجودا، كما ورد في ثنايا هذا المقال، الجانب الآخر الذي بدا واضحا من خلال النقاش، هو أن بعض المعارضين للتربية البدنية للبنات يرون أن هناك حاجة للرياضة للبنات، لكنها لا تكون في المدارس لصعوبة ضبط هذا النشاط، وما قد ينتج عنها من جوانب سلبية، ويؤيد بعض المعارضين إيجاد نواد نسائية خاصة تقدم تلك الخدمة وفق ضوابط، وبرامج معينة، وهنا لا بأس بالتربية البدنية لدى المعارضين في هذه المراكز، ولا للرياضة في مدارس البنات، فالهدف هنا واضح، وهو اقتصادي بالدرجة الأولى، وهنا أرى أن عملية الضبط لن تكون فاعلة بدرجة كبيرة في هذه النوادي النسائية، وقد يكون الضبط في مدارس البنات ممكنا بشكل كبير في حالة تطبيق العقوبات بحق من يخالف الأنظمة المحددة لذلك.
وهنا أرى أنه من الضروري دراسة تضمين مقرر التربية في مدارس البنات بشكل موسع من كافة الجوانب، بحيث تشمل هذه الدراسة آلياتها، وضوابطها، وأنظمتها، ولوائحها، وما قد يترتب عليها، وأعتقد أن التخوف لدى معارضي هذا التوجه لا يمثل مشكلة بشكل كبير، كما يتم طرحه في حواراتهم، ومن المعروف أن تطبيق الأفكار الجديدة، أو الأنظمة الحديثة يتخوف منه بعض أفراد المجتمع لعدم نظرتهم لما هو جديد من كافة الجوانب بنظرة شمولية، واقتصار حديثهم على الجوانب السلبية التي قد تحدث بنسبة محدودة جدا، وقد لا تحدث في أغلب الأحيان.