كتب رضوان السيد المفكر المعروف بعنف ضد من وصفهم ساخرا بالعقلانيين والتنويريين العرب سلسلة مقالات حملت روحا غاضبة واضح أنها تحملت كثيرا وصبرت قبل أن تفيض بكل هذا الألم والإحباط والعتاب الثقيل، محاولا في نقديته الإشارة إلى تحكم باعثات طائفية ودينية ومذهبية ومصلحية في مقاربتهم وتوصيفهم للأحداث السياسية، وتحديدا في موقفهم الناعم المتصالح المتطابق بصمت مع إنجازات نظام الأسد الدموية بعباءته الإيرانية المالكية الحزبلاتية، وفق مشروع طائفي بغطاء مقاوم ممانعاتي، ويشير السيد بشكل واضح إلى موقف هؤلاء الذين يمثلون ما كان يظن قيما فكرية وفلسفية ومشاريع تنوير حقيقية، وهي في الأساس مواقف ضدية للإسلام بصيغته الأعم والأشمل والأكثر اتساعا أي السنة، والحقيقة أن هذا السجال الذي بدأه السيد في مقال الحملة على الإسلام.. الحملة على العرب ثم أتبعه وإن كان بشكل غير مباشر بمقال النواح على صدام والاشتغال عند إيران ثم أكمله بـلماذا حملت على العقلانيين العرب؟ أنتج ردات اهتزازية دفعت بكثير ممن وردت أسماؤهم في المقال إلى محاولة نفي التهم وتفكيك نقديات السيد ورصده للمواقف الفكرية التي صمتت متواطئة مع المشروع شديد الطائفية، الذي مثلت الثورة السورية محكاته الأهم والأكثر جلاء خصوصا ممن كانوا يمارسون المواربات الفكرية تحت عناوين العقلانية والتنوير والنقدية العلمانية المتجردة من كل ارتباط إثني أو عقائدي أو مذهبي.
قسوة السيد التي جاءت في وقت مهم وحساس وبعد ركود سنوات من السجالات العامة تطرح علينا جملة من الأسئلة الكبيرة وتهيئ الوضع لفتح النقاشات حول كل الوهم الذي عشناه فكريا وتنويريا وقيميا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هل كنا عميانا نساق إلى مناطق قناعات معدة مسبقة؟ وفخاخ فكرية تم نصبها بدقة؟ هل استطاع من كنا نظنهم نخبا وأسماء انشغلنا بها وبنتاجها جرنا نحو مسلمات تقنعت بالطائفة والمذهب والهوس من الأمة بتوصيفها المذهبي السني؟ هل اكتشف رضوان السيد مفكرا وكاتبا وعاملا فكريا تنويريا أنه تعرض للخديعة وأن ما ظنه مشاريع نقدية متجردة هي شعارات وأقنعة بشعة مذهبية وطائفية وعنصرية تنطلق من موقف حاد وعدواني ضد السنة أمة ومذهبا وأفكارا وتاريخا وحيوية فكرية، وقبل ذلك سماء ضبطت هذه المنطقة من العالم، يقف رضوان السيد شبه وحيد في المعركة التي ستطول حتما بينما ينشغل الآخرون من مفكري السنة بالبحث عن المكاسب وسط طوفان الفوضى إن مع حزب أو تيار أو سلطة، والوقوف مع أطراف الاستقطاب، بينما الحقيقة أن المعركة في أصلها بعيدة ومع آخرين كشفتهم الثورة السورية مواقف وأسماء ومشاريع، ويجب إعادة التعامل مع كامل نتاجهم الفكري والنقدي بالتصفية والتقليب والقراءة.
فتح رضوان السيد الباب الكبير لمحاكمة زمن فكري كامل وأسماء وإنجازات وامتحانهم بالمواقف والأفكار مرة أخرى، وهو ما نحتاجه بقوة بعد أن سقطت الأقنعة وتكشفت الأوجه القبيحة وأصبح كل شيء مكشوفا وعلنيا.
samif@alwatan.com.sa