انتهت المرحلة الانتقالية ودعت الحاجة إلى مراجعة المسار ومساعدة رئيس الدولة على التحرر من أغلال الماضي وتمكينه من مواجهة الفشل الحكومي وإدارة اليمن برؤية مستقبلية تؤثر الكفاءة على قيد التقاسم لكن دون جدوى!

من أي مسامات الجسد المسجى ينفذ الخارج..؟ ولماذا تصبح لكنته أشجى من بلاغات العرب.. وملاليمه أخير من سبائك المسلمين وقراراته أكثر جدوى من المبادرات الإقليمية؟
هل مناعاتنا الذاتية بهذا الضعف المخجل أم هي تدابيرنا المنقوصة، ومشاريعنا المجتزئة، وإراداتنا الرخوة ومبادراتنا المشرعة في مواجهة النتائج دون العناية الكافية بالأسباب؟
التركيز على الأعراض الآنية وترك الجذور على حالها ينتجان إعاقات جديدة تستنزف جهد الأمة وتستغرق مقدرتها الاحتياطية من مخزون الجلد، تعبّد طرق نفاذ الخارج إيذاناً بتحلل الداخل الوطني وسياجاته الحمائية القومية، وتردي المبادرات الأخوية الصادقة تماماً كما تفتح الأبواب الملتهبة على النوايا الحسنة..
في المسائل الاعتيادية ثمة هامش واسع للاستهلاك السياسي بما يصاحبه من ميل عاطفي ومرونة دبلوماسية ومناورات لحظية ولوازم إسعافية أولية.. لكن حين يتقرر نقل الحالة إلى غرفة العمليات يصبح الأمر مختلفاً والتجريب بالوسائل البدائية مدعاة خطر.. فلماذا فضل أشقاء اليمن حيز السياسة ولم يكترثوا لصناعة الحدث التاريخي بينما كانت الظروف مواتية للجمع بين ممكنات السياسة لكبح التداعيات السلبية على سطح الأزمة من ناحية وتشخيص الحالة وسبل وضعها على أرضية مشتركة من ناحية أخرى؟
اللحظة التاريخية وضعت دور الأشقاء على واجهة أحداث التاريخ ورشحت الخارج لاحتمالات حرص صادق ومباركة دعائية ليصبح دور الأصدقاء موضع تقديرات قد يحتاجها الأشقاء لأغراض التطمين ليس إلاّ..
فما الذي حرف اللحظة التاريخية عن مسارها الصحيح؟ تكمن الإجابة في الأسباب.. المقدمات وحدها تقود إلى النتائج.. وتحميل الأشياء غير طبيعتها، ومطالبة المشكلة أن تكون حلاً جاهزاً مكتملاً نافذاً لا يقود للجم الفوضى، ذاك أن تركيب الوصفة العلاجية حسب رغبة وتذوق حامل الفيروس وتفصيل الحلول الإنقاذية بمقاس جبهات النزاع واعتبار السواد الأعظم من أبناء الشعب تابعاً تلحقه التسوية بأذيال الأزمة كل ذلك يقود إلى نتائج كارثية بعضها صار معلوماً وبعضها الآخر لن تقتصر مضاعفاته على اليمن فقط..
صحيح لم يكن الموقف الخليجي موحداً وصار شاهد الحال (مخرّب غلب ألف بناء) لكن الأدق إجماع معظم دول المجلس على رؤية موحدة أسعفت اليمن من النزاع المسلح داخل العاصمة صنعاء لقاء تقاسم السلطة بين أطرافه..
وضع الخليج بصمته على المبادرة مباركاً توافق تلك الأطراف على نصوصها ولكنه لم يتبيّن قدرتها على إدارة البلاد أو يرقب مصداقيتها في تجسيد قيم الشراكة فيما بينها ولا مدى التزامها بتحقيق تطلعات الشعب وتوقه للدولة الوطنية وإحلال العمل المؤسسي مكان المغالبات المناطقية والحزبية والمذهبية والمليشاوية.
أراد الخليج أن يكون شقيقاً فحسب وأحاط رسالته النبيلة بحساسيات الشأن الداخلي لليمن مستكثراً على نفسه واليمن دور الشريك المعنيّ بملء الفراغات الشاغرة أمام الخارج وتحيناته المستقبلية تجاه المنطقة العربية بأسرها..
البدايات المنبثقة من رشح الصراع إذا لم يتداركها عقل يقظ تصبح موضع اشتباه التاريخ لأضمن مقرراته!! وليس غير المتاهة ما يجعل أولويات الحاضر وتحديات المستقبل مادة دعائية لقوى الصراع التي وزعتها التسوية على دفتي حكومة وفاق محصنة من المسائلة تصوغ معادلاتها بقوة الأمر الواقع وذرائع الاتكاء على المبادرة الخليجية والتلويح بشماعتها هرباً من مآزق العجز.
كنا نقول لرئيس اليمن السابق خذ زمام المبادرة واقتحم درب التغيير قبل أن تكون هدفاً لضروراته الحتمية!!
المقربون بمواصفات (كل شيء على ما يرام يا فندم) أوغروا صدره وجماعة الإخوان المسلمين شغلته بالعرض بدلاً عن الجوهر..
هل اختلفت موازين الواقع بمغادرة السابق وتصدر الرئيس هادي مسؤوليات الحكم..
أجل تغير الكثير على قشرة الأوضاع وصعد رئيس جديد عدّ توافق قوى الصراع رغم تناحراتها الثأرية على حياديته ونزاهة موقفه إعجازاً غير مسبوق قياساً بمتواليات الربيع العربي..؟ وكان السؤال الملح حينها لماذا لم تتضمن المبادرة الخليجية غير محطة واحدة تخضع لرأي الشعب ليجري الاستفتاء على ما يجمع عليه أبناء الوطن فيما تركت المحطات الأخرى بما فيها حكومة باسندوة لشرعية التقاسم، زد عليه أن المبادرة ذاتها أحكمت وثاقها على رئيس الجمهورية وأحالت سلطاته التقديرية إلى شباك لركلات الترجيح من طرفي الصراع.
انتهت المرحلة الانتقالية ودعت الحاجة إلى مراجعة المسار ومساعدة رئيس الدولة على التحرر من أغلال الماضي وتمكينه من مواجهة الفشل الحكومي وإدارة اليمن برؤية مستقبلية تؤثر الكفاءة والنزاهة والخبرة على قيد التقاسم ولوثة المحاصصة لكن دون جدوى!!
إن وضعاً كهذا لا تتوقف آثاره على نفاذ العامل الدولي فحسب لكنها ستؤدي أو هي قد أدت لانهيارات كارثية كما على الجانب الاقتصادي؛ الأمر الذي يسترعي إنزال الحمولات الثقيلة من دفتي الميزان، ومطالبة الرئيس هادي باتخاذ القرارات الاستثنائية السريعة، والاعتماد على حكومة تكنوقراط تؤدي مهامها وفق قواعد الدولة ومنطق المصلحة العليا للوطن..؟ والأرجح أن الأشقاء يدركون أهمية الأمر وهم أولى بالمعروف وأجدر باجتراح ملمح تدونه روايات التاريخ قبل أن يتبوأ الغريب دور ومكانة الأخ القريب..
وللموضوع بقية.