يُجمِع خبراء الإدارة العامة أنه لا يوجد مرفق تصعب إدارته كما تصعب إدارة المرفق الصحي. فالناس الذين يتعاملون مع الخدمات الصحية لا يكونون وقتها في أفضل حالاتهم النفسية، الأرجح أنهم في أسوئها، وبذاك ندرك لماذا كان رضا الناس عن هذه الخدمات ضربا من المستحيل.
هذا جزء من حديث الراحل الدكتور غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة، حول تجربته مع وزارة الصحة حين كان وزيرا لها. يؤكد أن هناك أكثر من سبب يجعل الناس يمتعضون من هذا المرفق، أولها ما ذكره في الحديث السابق، وثانيها أن الشكوى من الخدمات الصحية ظاهرة عالمية تشمل الدول النامية والدول الصناعية.
أقول لو كان القصيبي حيا وهو يرى تزايد إشكالات وزارة الصحة الحالية في بلادنا، ويقارنها بما يحدث في الغرب أو ما يسميها بالدول الصناعية، لربما وضع حلا لكل هذه المشاكل، ففي الغرب هناك ما يسمى بالتأمين الطبي الذي يشمل جميع مواطني الدولة ومقيميها، حتى غير الشرعيين منهم.
إشراك القطاع الخاص في عمل الوزارة عبر مشاريع التأمين الطبي وإدارة المستشفيات، هو الذي سيجعل الوزارة تتفرغ للشأن الإداري والبحثي، وستقوم شركات التأمين بدورها في تقديم الرعاية والعلاج، وربما يقتصر دور الوزارة على تطوير الخدمات الصحية الأولية في الأحياء والقرى.
الدولة تتكبد خسائر كبرى في تقديم العلاج المجاني للمواطنين وهو أمر جيد، وبإمكان الدولة تغطية غير القادرين على دفع قيمة التأمين الطبي كمساعدة لهم، فيما يدفع القادرون جزءا من تكاليف الغطاء العلاجي وتتحمل الدولة الباقي، وبذلك تكون قد أزاحت عن كاهلها حملا كبيرا، يتضمن المسؤولية وتحمل تكاليف.
يقول القصيبي: كانت الفترة التي قضيتها في وزارة الصحة أتعس فترات حياتي على الإطلاق، ولا أبالغ إذا قلت إني لا أذكر يوما واحدا سعيدا من تلك الفترة. كل أصدقائي الذين يعرفونني عن كثب لاحظوا أني كنت وقتها أعاني الكآبة الدائمة.
وهذا يؤكد أن المشكلة ليست في الوزير ولا في الوزارة، إنها في آلية العمل وكيفية إدارته وتسيير أموره، فهل أصبحنا عاجزين لدرجة عدم المقدرة على رفع الكآبة عن الوزير والضرر عن المرضى؟.