نيويورك مدينة عظيمة، ليس فقط لأنها مصهر ضخم لأجناس البشر كافة، ولكن لأنها قبلة للفن والإبداع حول العالم.
هناك وفي شبة جزيرة مانهاتن يقع حي سوهو القديم، الذي تحاصره عدة أحياء يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مئتي عام. بالطبع مع توسع الولايات المتحدة وتحول نيويورك إلى عاصمة للسوق المالية؛ هاجر أهلها إلى أحياء أخرى وإلى نيوجرسي على الضفة الثانية، مما جعلها تفرغ من سكانها الأصليين، خاصة مع ارتفاع الإيجارات وضعف الخدمات، هذه الهجرة أدت إلى تراجع مستوى المدينة في جذب المبدعين وارتفاع نسبة الجريمة وانتشار المخدرات!
لكن بلدية المدينة لم تقف مكتوفة اليدين، فقامت بإعادة تخطيط الحي، ودعم مشاريع الإسكان الجديد، وتطوير الخدمات، مما جعل الحي يعود لسابق عهده، فاليوم يجمع بين أزقته أكبر عدد من المبدعين والفنانين، وتنتشر خلال شوارعه متاجر المشغولات الفنية والحرف اليدوية، وتجد الموسيقيين والراقصين يجوبون زوايا الحي بحثا عن جمهور يتذوق أعمالهم، وبالذات ما يطلق عليه بالفنون البديلة Alternative، التي أضحت منتج سوهو الأول والرئيس، فأنت ما إن تبحث عن مصدر أي اتجاه جديد في الموضة أو في تصميم الألبومات أو ألحان الأغاني؛ إلا وغالبا تجد أنه هذا الحي الصغير بحجمه ولكن المتخم بمبدعيه.
لقد استطاعت بلدية نيويورك إحياء حي مهجور بإمكانات محدودة، أولا تستحق عاصمتنا الرياض حيا يجمع شتات فنانينا؟ ما الذي يمنع أمانة العاصمة من إعادة تطوير أحد الأحياء القديمة، مثل حي الملز ـ الذي تحول إلى وكر للعمالة الرديئة والهاربين من أنظمة الإقامة ـ إلى حي نموذج يجذب العقول؟ يحوي مساكن فاخرة ومقاهي ومطاعم ومعتزلات فنية وصالات عرض ومقرات للجمعيات والتجمعات الشبابية، ويتم تحويله إلى مركز إشعاع حضاري، يزيد من إنسانية مدينتنا ويحتوي مبدعينا.
مجرد فكرة.