الحديث عن أزمة بعض الجهات الرسمية في تعاملها بشفافية مع وسائل الإعلام ليس بالأمر الجديد، فقد تناوله كثيرون ومنذ مدة طويلة، إلا أنه وفي ظل المتغيرات التي نعيشها في هذا العصر والذي يشهد بشكل مستمر ظهور مشاكل ومعوقات منها الطبيعي ومنها المصنع بشريا، نجد أن هناك من لا يزال يقاوم التحدث بشفافية مع المواطن عبر الإعلام مستخدما في ذلك ذرائع فيها من لغة الوصاية الممقوتة ما لم يعد مقبولا إطلاقا.
أحد الأمور التي يجب أن ينظر لها باعتبارها عمليات سوء إدارة وتضليل يجب الاستقصاء خلفها وكشف المهملين أو المستفيدين منها هي تلك القرارات التي اتخذت في مراحل سابقة وتم الكشف أنها أضرت بالبلاد وبالعباد وأنهكت الاقتصاد الوطني وساهمت في تعطيل جوانب مهمة منه، فكيف يمكن تجاوز تصريحات وزير المياه الأخيرة التي كشفت أن صناعة الأعلاف قد استهلكت وتستهلك من المياه - التي تعد ثروة إنسانية يجب الحفاظ عليها - ما يمكن اعتباره تبذيرا وسوء استغلال للموارد الطبيعية الوطنية، فقد اتضح مثلا أن إنتاج لتر واحد من الألبان يتطلب خمسمئة لتر من الماء، في وقت نعيش في بلاد صحراوية وفي منطقة أثبتت الدراسات الاستراتيجية حولها أن صراعاتها المستقبلية ستكون حول المياه في المقام الأول لا النفط كما يعتقد البعض.
من جهة أخرى تدفع وزارة الصحة هذه الأيام ثمن عدم الشفافية التي عاشتها لسنوات عديدة في الماضي حول إحصاءات الأمراض والأوبئة، ونتيجة لبعض القرارات التي تحاول تطبيقها اليوم والخاصة بالتشدد في عدم إفشاء منسوبيها للمعلومات الصحية والتي تعتبرها الوزارة أسرارا تضر بالمصلحة الوطنية، وهنا أتصور أن إفشاء المعلومات الشخصية للأفراد هو ما يجب التأكيد على عدم قانونيته، أما فيما يتعلق بالإحصاءات أو الأخبار الخاصة بالأمراض وتطور الحالات وحقيقة الوضع على الأرض يجب أن يكون متاحا وبشفافية مطلقة ليتشارك الجميع في وضع الحلول والعمل على تحقيق الأهداف، فعمل الوزارة مع أزمة كورونا يجب أن يكون بشكل ممنهج وشفاف، فأهم مراحل معالجة المريض هو أن يعرف أنه كذلك، فإن لم يعرف كيف له أن يساعد الطبيب في أن يساعده.
ثقة الناس تأتي من احترام المسؤول في حق المواطن في أن يعلم وفي أن يحاسب وأن يراقب، فإن اعتقد المسؤول أنه أدرى بشعاب الوطن فقد وضع نفسه وصيا على مواطن أصبح اليوم يرفض الوصاية.