رزيق شتيان الحربي - رابغ

في أيام الزمن الجميل، كانت مدارسنا قلاعا حصينة للتربية والتعليم، يدخلها أطفالنا فتربيهم على الفضيلة واجتناب الرذيلة، وتزيل من عقولهم الجهل، وتستبدله بالعلم والفهم وغرس القيم الفضلى والأفكار العظمى.. هذا عندما كنا لا نوظف في مدارسنا إلا معلمين أكفاء، تخرجوا من معاهد و كليات إعداد المعلمين التربويين، إلى أن أصبحت مهنة المعلم مهنة من لا مهنة له، ودخل إلى مدارسنا ممتهنون للتعليم لم يدرسوا منهجا تربويا واحدا في كيفية تربية الطفل وتنشئته وفن التعامل معه، وإطلاق إبداعاته وتنمية قدراته وصقل مواهبه، فبدأنا نسمع عن قصص عن ممتهني التعليم أشبه بتصرفات المرضى النفسيين، بمعاملتهم للأطفال معاملة لا تمت للتربية والتعليم بصلة، فكم من طفل صدّرته مدارسنا يعاني من التأتأة وقد خرج من بيته فصيح اللسان بليغ البيان، وكم من طفل أصبح انطوائيا انعزاليا بعد أن كان اجتماعيا تفاعليا، وكم من طفل عانى من كوابيس المنام ومفزعات الأحلام؛ بسبب ما يتلقاه في المدرسة من صفع وضرب بالعصا وعقاب أشبه بالعذاب، كوضع المرسام بين أصابع يديه والضغط عليها لأسباب لا تستدعي، مثل تحركه من مقعده أو تقصيره في الحفظ وأداء الواجب، وكم من طالب ترك الدراسة نهائيا أو انقطع عنها وقتيا؛ بسبب كثرة قمع معلمه له.
كل ذلك كان يحدث والوزارة لا تدري عنه ولا الرأي العام يعلمه؛ لأنه بقي طي الكتمان ولم يصل لوسائل الإعلام، ثم جاء عصر الجوالات المتلصصة على الخصوصيات، فهتك بعض ممتهني التعليم ستر أمانة المهنة، وتفننوا في تصوير مقاطع بالجوالات، وتناقلوها فيما بينهم يجاهرون ويتفاخرون فيها بإبكاء طفل أو السخرية منه، أو جعله يقوم بحركات مضحكة، مستغلين تصرفاته الطفولية العفوية البريئة، ومثل هؤلاء وإن كانوا يمثلون قطرات قليلة في بحر المعلمين الفضلاء الأكفاء، إلا أنهم لم يحافظوا على الأمانة، ولم يحترموا رسالة المعلم، ولم يرأفوا ببراءة الأطفال.. فما ذنب طفل شهروا به، يرى الآلاف يتناقلون مقطعا مصورا له يبقى أبد الدهر يهزأ به ويسخر منه، وكيف سيعود لمدرسة كان يظنها قلعة علم فأصبحت في نظره أستديو تصوير للتشهير به، ليظل يعاني طوال حياته إلى مماته من العقد النفسية.
لقد أصبح لزاما على وزارة التربية ألا تولي مهنة التعليم إلا من اجتاز دراسة تربوية معمقة، وخضع لمقابلة شخصية تختبره نفسيا، هل هو مهيأ لمهنة الرسل والأنبياء أم لا؟ فأطفالنا أمانة.