من الواضح أن مشكلات وزارة الصحة ليست في القوة المالية على الإطلاق، بل في التخطيط وكيفية الإنفاق وتوزيعه، وإجادة اختيار المشغلين الذين ترسوا عليهم عقود المناقصات، وأهم من ذلك كله الرقابة والتفتيش والمتابعة على المستشفيات وكوادرها
لا زلت أتذكر تلك الفترة التاريخية الماضية التي كانت تشرف فيها وزارة الصحة بالكامل على أمور المستشفيات، وتقوم على تجهيز إداراتها بما يلزم من معدات ومواد النظافة والعمالة الفلبينية المرتبة والنظيفة، أتذكر كيف كنا ندخل أي مستشفى أو مستوصف، فتقابلنا روائح المنظفات والمطهرات تدور في كل ممر وغرفة من غرف المبنى، وتفرحنا نظافة المكان وترتيبه على الرغم من تهالك بعض المباني المستأجرة للمستوصفات أحياناً، اليوم لا أكاد أزور صديقاً في أي مستشفى إلا وتختلط علي روائح المنظفات بروائح المرض وعرق المرضى والعاملين فيها والزائرين..!!
المعروف أن الصحة تحديداً لا تقبل الأخطاء المتتالية، بل يجب أن يكون هامش الخطأ فيها أضيق بكثير من أي شيء آخر، ونعلم جيداً أن الوزارة تسعى جاهدة لرفع مستوى أدائها العملي لما فيه صالح الجميع، لكن هذا التردي للوضع العام لحال المستشفيات ونظافتها، وتزايد عدد الأخطاء الطبية، والإهمال الواضح على مستوى تدريب ومهارة الكادر المشغل لهذه المنشآت الحيوية، يجعلنا أمام تساؤلات عديدة عما يحدث في وزارة مهمة جداً كوزارة الصحة، ولماذا لا تستجيب الوزارة بالسرعة المطلوبة لمعالجة مشاكلها؟ وإلى متى سيظل الحال مائلاً بهذه الحدة في القطاع الصحي؟
كثير من التقارير المنشورة في الصحف أو في مواقع الإنترنت عن فيروس كورونا، والذي قد يتحول إلى وباء فيما لم تتم السيطرة عليه تماماً بالسرعة المطلوبة لا قدر الله، تقول إن المستشفيات هي الأماكن الأكثر نشراً للفيروس؟! فهل يُعقل أن تكون أماكن العلاج المفترضة هي الناشر الأكثر للأمراض والأوبئة؟! إن ذلك في الواقع لا يبدو منحازاً لأي منطلق..
ويبدو جلياً أن بوادر وبداية العمل على تخصيص القطاع الصحي قد جاءتا حتى الآن على عكس ما تشتهي سفن التخطيط، فالشركات التي تسلمت الإشراف والتموين للمستشفيات فيما يتعلق بالنظافة ومستلزماتها، ستهتم أولاً وقطعاً بالكسب المالي لخزانتها وما يُرضي جشعها، الأمر الذي سيكون على حساب أفضلية نوعية المواد المستخدمة للتنظيف وجودة أداء العمالة المستخدمة - وهي عمالة رثة بالمناسبة -، وقد لاحظت ذلك شخصياً في أكثر من مستشفى في جازان على وجه الخصوص، وهذا نتيجة لضعف قوانين الرقابة والمتابعة التي تفرضها وزارة الصحة على الشركات المناط بها مثل هذه الأعمال، وأتمنى على الوزارة أن تقوم بتكوين فرق ولجان تفتيشية مُفاجئة، وألا تعتمد على التقارير المرفوعة من قبل إدارات المستشفيات أو فروع الوزارة في المناطق فقط، لا لشيء سوى لتكوين فكرة مقاربة للواقع الذي عليه تلك المنشآت، ولتكون الوزارة قادرة على المقارنة بين التقارير المختلفة المرفوعة من فروعها بمختلف المناطق وبين تلك التي تقدمها اللجان المُقترحة، وهو كفيل بوضع ولو بعض الحقائق على طاولة معالي الوزير، ليتم بعد ذلك الوقوف على مكامن الخلل، والبحث في كيفية معالجة الأخطاء وجوانب القصور، لتتمكن من الحد من تتالي ظهورها على السطح بهذا الشكل المزعج وغير المقبول، وصحة المواطن تستحق أكثر بكثير مما هو قائم حالياً من عمل، فميزانية وزارة الصحة السعودية لهذا العام 1435-2014م، بلغت (108) مليارات ريال، وهي ميزانية ضخمة تعادل ميزانيات دول عربية مجتمعة، كاليمن التي بلغ كامل ميزانيتها لعام 2014 (13.4 مليار دولار) أي ما يعادل (50.25 مليار ريال سعودي)، الأردن (11.2 دولار) ما يعادل (50 مليار ريال سعودي)، لكن ناتج هذه الميزانيات الضخمة المتزايدة والمرصودة سنوياً للقطاع الصحي، لا يعكسها الواقع - من وجهة نظري - على الأرض ولا يمثل حجمها والآمال المعقودة عليها فعلياً، وفي ذلك يقول استشاريُّ العلاج الطبيعي والتأهيلي في مستشفى الحرس الوطني الدكتور محمد الخازم في حديث نُشر له على العربية نت: لدينا مشاكل في توافر المنشآت الصحية وأيضاً في الكوادر المشغِّلة لها، ووزارة الصحة هي المسؤولة عن ذلك، ليس هناك مخططون متخصصون في الوزارة، وكل ما هناك اجتهادات فقط، القضية ليست فقط في توفير أسرّة، لأنه لا يوجد تأهيل كافٍ ولا مختبرات كافية، ولهذا تجد المرضى يتواجدون حتى في الممرات.
من الواضح إذن أن مشكلات وزارة الصحة ليست في القوة المالية على الإطلاق، بل في التخطيط وكيفية الإنفاق وتوزيعه، وإجادة اختيار المشغلين الذين ترسوا عليهم عقود المناقصات التي تطرحها الوزارة، وأهم من ذلك كله الرقابة والتفتيش والمتابعة المكثفة على المستشفيات وكوادرها، وليحفظ الله الجميع.