تعكس ردة الفعل الاجتماعية لجريمة أبوملعقة وهو يطعن وافداً هندياً في حي السويدي، تحديداً، خريطة جديدة للطبقية المجتمعية في مكان ونوع الجريمة. نحن بها نكاد أن ندخل بوابة الدم الرخيص مقابل سور الدم الغالي بحسب التقسيم الطبقي لخارطة المدينة. قيمة المقتول الضحية في حي السويدي ليست بقدر قيمته ولا بذات التعاطف معه لو أنه من برجواز شمال غرب الرياض. تماماً أيضاً فردة الفعل الإعلامية البريطانية، على ضحية من بركستون الفقيرة، لن تكون بذات القدر على ضحية أخرى من حي الماي فير الراقي بشمال لندن. هي ذات المقاربة ما بين غليل جدة أو الحمراء والشاطئ، مثلما هي ما بين المنسك الشعبية وبين خالدية أبها. قل لي أين تسكن وسأحدد لك قيمة دمك.
وفي اليد الأخرى، تبدو قصة أبوملعقة خراجاً طبيعياً لما أستطيع أن أسميه متلازمة البوصلة وهي لعنة تاريخية تكاد أن تشترك فيها كل الدول والمدن في ظروف الشمال والجنوب. في جنوب الرياض، عاش أبوملعقة قنبلة سائحة سائبة، بلا رقيب، وبكل أمراضه النفسية والعقلية وعلى كل من يسكن شوارع أبوملعقة أن يتدبر أمره للخلاص منه كلما تقاطع معه. وعلى النقيض يعيش أبوملعقة الآخر من برجواز الشمال بإدمانه وأمراضه نفسها ولكن تحت الرقابة والحراسة المخملية. أبوملعقة البرجوازي الشمالي يأكل بالكريك ويذهب عند العاشرة مساء إلى مقهى المساء في سيارة فارهة ويراقبه عن بعد شاب أسمر مفتول العضلات كي لا يخطئ على أحد ولا يخطئ أحد عليه. تدفع عائلة أبوملعقة الشمالي في الأسبوع الواحد على مصاريف معضولها الطبية والحياتية ما يفوق ميزانية كامل أسرة أبوملعقة السويدي في شهر كامل.
باختصار شديد: أبوملعقة الشمالي رصاصة نزع منها البارود بينما يهيم أبوملعقة الجنوبي قنبلة مفكوكة حتى بلا زناد، الحياة في السويدي، وفي الجنوب دائماً أرخص وأقل تكلفة في المأكل والسكنى. في البقالة وحتى في فاتورة غسيل الملابس. أرخص حتى في قيمة شمة الهيروين وأيضاً أرخص في قيمة الدم والروح والحياة: هي لعنة متلازمة البوصلة.