من المهم استمرار أفراد الأسرة الحاكمة في اتحادهم ووقوفهم بما عهدنا منهم عبر كل الحقب الزمانية، لأن ذلك لصالح الوطن، فاتحاد الكلمة واجب، ولا مكان لأي صوت نشاز يخرج عن الإجماع أو الأغلبية وما قرره مليكنا

كانت السؤالات الحيرى تلوب في رأسي، حال سماعي خبر تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، وعن الأسباب الحقيقية التي كمنت خلف القرار، والمصالح الراجحة التي ستتحقق منه، لكن كل ذلك ما لبث أن زال، بسبب ثقتي في حكمة ملكنا حفظه الله.
ثمة معطيات ومعلومات ودوافع كبيرة، لا نتوافر على تفاصيلها ودقائقها، هي التي جعلت من ولي الأمر يتخذ القرارات الحاسمة التي قد نفاجأ بها أحيانا، ولكن غالبا ما تكون صائبة في نهاياتها، وتتبدى حكمتها بعد حين.
بالتأكيد أن الوطن بأغلب طوائفه وتياراته وشرائحه الاجتماعية والإثنية يثق بالكامل في بُعد نظر خادم الحرمين، هذا الملك الذي أحبه شعبه لبساطته وتلقائيته وصدقه معهم، فهو - ومن حوله حكماء الأسرة الحاكمة- من مواقعهم التي تتيح لهم ما لا نراه، يرون الأصلح والأنسب من الأسرة في تسنم المسؤولية، ولديهم القواعد والأدبيات المتوارثة التي تنتظم العلاقة بينهم، ووالله إننا لندعو لهم بجمع الكلمة واتحاد الصف، فتماسكهم ينعكس علينا كوطن ومجتمع، سيما أن الخطوب شتى من حولنا، والأعداء كثر، وهناك من لا يريد الخير أبدا لوطننا.
سجّل التاريخ أقوال ملوكنا الراحلين - رحمهم الله تعالى- الخالدة، حول وصايا والدهم الملك المؤسس لهذا الكيان، وكيف أنه يحرّص عليهم بالتماسك والاتحاد والسمع والطاعة للأكبر، فالدرس حاضر أبدا أمام أعين حكماء الأسرة، ما جعلنا نتجاوز بكل سلاسة وتماسك أحداثا عظاما مرت على بلادنا.
الأسرة الحاكمة بتلاحمها الداخلي أولا، ثم بتكاتفها مع شعبها المؤمن بقيادتها، وتقديرها وإجلالها للعلماء وأهل الحل والعقد؛ جعلتنا نتجاوز كل تلك الظروف والمواقف الصعبة التي مرت بعضها على دول أخرى، فانهار نظام حكمها، ولكن بذلك الانسجام الرائع لأبناء الأسرة الحاكمة، ووعي الشعب وتقبله لما يقرره ولاتنا، في تناغم دقيق ومعرفة كل من الطرفين بحدوده؛ تجاوزنا كثيرا من تلك الخطوب.
يتذكر الوطن ما فعله الملك فهد - يرحمه الله- إبان أزمة حرب الخليج، وكيف تكاتف العلماء وشعبه معه، وأعقب ذلك بعثه مجلس الشورى، وكتابة نظام الحكم، وكذلك التحديات التي واجهتنا جميعا بعد أحداث 11 سبتمبر، ودعوات الإعلام الغربي وبعض صناع السياسة في الولايات المتحدة، بإعادة تقسيم المنطقة، وطرح وقتها مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأرادوا جبر المنطقة العربية على الديموقراطية برؤيتهم، وتعميم الإسلام الغربي علينا، وبدؤوها في العراق هناك، وكانوا في الطريق للخليج، ولكن الله سلم منطقتنا منهم، ونسأله أن يحفظ تماسكنا الداخلي، ويوفق ولاة أمرنا إلى السير ببلادنا نحو الأمن والأمان.
وكالعادة عقب صدور القرارات الكبرى في بلادنا، تكثر القراءات والتأويلات والشائعات، وهالتني كمية الرسائل التي تلقيناها في الجوال عبر تقنية الواتس آب وتويتر، ومعظم ما نقرؤه رمي بالظن، وتخمينات خاطئة، بل بعضها أقرب لمراهقة تحليلية وقراءات مغرضة، يتولى كبر توزيعها مغرضون لا يريدون الخير لمجتمعنا، بنشر تلكم الشائعات، دون التبصر والتأكد من المعلومات الواردة فيها، التي تنعكس إرجافا في المجتمع، وخلخلة في النسيج الوطني الداخلي.
لا بد من بثّ ثقافة التأكد من الأخبار قبل إرسالها، فالشائعة تنتشر كالمتوالية الهندسية، وبزمن قياسي جدا، وتكوّن رأيا عاما يسربل كل المجتمع، بفعل هذا التناقل والسلوك غير العلمي، ولربما كانت معلومة مغلوطة، لم يتنبه لها من يقوم بإرسالها، ولو كلف نفسه التأكد من المصدر، لربما تنبه للفخ، والوقيعة التي يرومها من أطلق تلك الشائعات.
بعيدا عن الينبغيات التي لا أود أن أكون واعظا فيها، بيد أنني أود تنبيه المجتمع بضرورة استشعار المسؤولية في هذه المرحلة، والإيمان المطلق والأكيد بأن أي تماسك واتحاد في رأس الهرم، سينعكس علينا في المجتمع، وأي توتر –لا سمح الله- هناك، سنكون نحن أول من يدفع أكلافه، والله حافظنا بفضله ورحمته، ومن المهم استمرار أفراد الأسرة الحاكمة في اتحادهم ووقوفهم بما عهدنا منهم عبر كل الحقب الزمانية، وأن ذلك لصالح الوطن، فاتحاد الكلمة واجب، ولا مكان لأي صوت نشاز يخرج عن الإجماع أو الأغلبية وما قرره مليكنا يحفظه الله.