من الملاحظ أن البعض وخصوصا في جيل الشباب يتفاخر بإخفاقاته المتكررة، ويتفنن في ارتكاب الحماقات عمدا، إذ إن التمرد على الذات إلى الدرجة التي تغيب فيها القيم الأخلاقية تجعله مصدرا لإعجاب الكثير ممن يتأثرون بسلوكه، فهو يتجرأ بمقدار يتفوق على إشباعه للشعور الناقم الذي بداخلهم، والذي يحاكي الرفض لقيود الواقع أو فقدان الهدف، فلا يجد في فشله الدراسي عيبا، ولا في تزايد المخالفات المرورية، ولا في سوء أخلاقه حينما يتناول الأشياء أو يتعامل مع الآخرين، ولو وجهت السؤال كم كتابا قرأت؟ - في مجتمعات مختلفة من ضمنها مجتمعنا ستجد الفرق - وربما تسمع إجابة بشيء من الفخر لم أقرأ كتابا واحدا في حياتي، فالبيئة تشجع التخلف والتسيب والإهمال وتضع للفرد اللا مبالي شأنا وأهمية، بينما تجده شخصا آخر في خارج نطاق مجتمعه.
لا شك أن سلوك الفرد المتراتب والمتكرر ينتج خُلقا، والأخلاق هي مجموعة من القوانين السلوكية التي ينظمها الجهاز العصبي حينما يعتاد على سلوكيات طبيعية يكتسبها، فهي تتحدد في بيئته التي تعد وعاء يتشكل في أهم جوانبها دلالة معنوية لنمط مجتمعه، بينما تكوين أحداثها عبارة عن عوامل ومتغيرات لها علاقة وطيدة ومترابطة مع طريقة استخدام الفرد الفاعل فيها والمتأثر بها، وبطبيعة وجود اتجاهاتها المتعددة ستؤثر في تنميته سلباً أو إيجاباً، إضافة إلى أن التفاعل الإنتاجي مسؤول عن طبيعة الأخلاق، وأعني أن مثل هذه السلوكيات ستتنامى كلما وجدت بيئة خصبة تربيها وتشجعها على التكاثر، غير أن هذا التوجه الفكري التقليدي الناتج عن الصور المؤدلجة يقاوم نمو الوعي المدني الذي يعد طموح المجتمعات المعاصرة، وكل ما يحدث ناتجا عن العجز عن الفاعلية بالاعتماد على شكل المجتمع المدني، في حين لم يبن العقل الجمعي على صورة مجتمع عقلاني متحضر يفرض بالضرورة تغييرا جذريا في مستوى الوعي والوظيفة.
يتشكل النمو والتدافع الحضاري من بحث الإنسان وسعيه في إيجاد الحياة المثالية، وأعني أن الحضارة تُسهم بشكل إيجابي في تشكيل الوعي وتقويم السلوك، إضافة إلى حاجتنا لاستعادة الحضور على مسرح التفاعل الإنساني الذي يعطي للفرد مبررا كافيا للوجود، فالمجتمع المدني ولادة حداثية تتسم بنزعة إنسانية وعقلانية تحكمها تنظيمات وقوانين، وغير ذلك يمكنها قبول التطور رغم صعوبات البيئة وثقافتها المختلفة، إضافة إلى أنها تحرر من قيد الثقافة التقليدية الخانق للفرد والذي يحاصر حريته، وهي الوحيدة القادرة على تأسيس تكوينات المجتمع - من حيث لا تلغيها - كأوعية متعاونة في نمو الوعي والعلم ورقي الأخلاق ونبذ التخلف.