أدخل الإنترنت تغييرات واسعة إلى حياة الناس، فلقد أحدث ثورة في طريقة الاتصال وسهل إنشاء شبكات بين الأفراد الذين تتماثل اهتماماتهم. نحن نعيش في عهد يستخدم فيه 84% من الأوروبيين مثلاً الشبكة العنكبوتية بشكل يومي، حيث إن 81% منهم يدخلون إلى الإنترنت من البيت. هذا التطور قاد إلى تغييرات مهمة في تنظيم وطريقة عمل المجتمع، وحيث إن المتطرفين الذين يلجؤون للعنف والإرهابيين يشكلون جزءاً من المجتمع، فإن من المعتقد أن الإنترنت يلعب دوراً خاصاًّ كأداة لنشر فكر التطرف. لكن هناك أدلة قليلة ومحدودة لتقييم هذا الافتراض وقياسه بشكل علمي.

نظريات
نشرت مؤسسة راند الأميركية للأبحاث نتائج دراسة أولية حول دور الإنترنت في تحويل 15 إرهابيا في بريطانيا إلى الفكر المتطرف. الحالات الـ15 تم تحديدها من قِبل فريق البحث بالتعاون مع جمعية ضباط الشرطة في بريطانيا ووحدات مكافحة الإرهاب في بريطانيا أيضاً. فريق البحث جمع بيانات أولية لخمس حالات من المتطرفين كانوا جزءاً من برنامج القناة الحكومي في بريطانيا الذي يستهدف الأفراد الذين يتم تعريفهم على أنهم عرضة للتحول إلى التطرف العنيف، كما جمعت عشر حالات لإرهابيين أدينوا في بريطانيا، ولم يتم الكشف عن اسم أي شخص منهم. أجرى فريق البحث مقابلات مع كبار ضباط التحقيق الذين لهم علاقة مع حالات الإرهابيين ومع المشاركين في برنامج القناة، ودرسوا سلوك الأفراد على الإنترنت من بيانات تمت استعادتها من قبل الشرطة مباشرة من أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهؤلاء الأفراد الـ15. بعد ذلك قام الفريق بمراجعة الدراسات السابقة ذات الصلة وطور مجموعة من النظريات والتأكيدات الموجودة في الدراسات السابقة حول دور الإنترنت في عملية التحول إلى التطرف. هذه النظريات تم اختبارها باستخدام البيانات الأولوية من الحالات الـ15 موضوع هذه الدراسة.
وقد تم تحديد النظريات التالية في الدراسات السابقة:
1- الإنترنت يُوجد فرصاً أكبر للتحول إلى التطرف.
2- الإنترنت يؤدي وظيفة غرفة الصدى: مكان يجد الأفراد أن أفراداً آخرين مماثلين في طريقة التفكير يدعمون ويرددون أفكارهم.
3- الإنترنت يسرع عملية التحول إلى التطرف.
4- الإنترنت يسمح بحدوث التحول إلى التطرف دون احتكاك في عالم الواقع.
5- الإنترنت يزيد فرص التحويل الذاتي إلى التطرف.

النتائج
أكدت الأدلة التي أفرزتها الدراسة الأولية أن الإنترنت لعب دوراً في عملية التحول إلى التطرف في حالات الـ15 إرهابـيا ومتطرفا عنيفا قيد الدراسة. ومكَّنت الأدلة فريق البحث من اسـتكشاف مدى صحة النظريات الأسـاسية الـخمس المطورة من الدراسات السابقة فيما يتعلق بدور الإنـترنت في عملية تحول هـؤلاء الـ15 إلى الـتطرف. خلاصة النتائج التي توصـلت إليها الدراسة هي كـما يلي:
أولاً: يدعم هذا البحث نظرية أن شبكة الإنترنت قد تعزز فرص التحول إلى الفكر الراديكالي المتطرِّف، وذلك نتيجة التعرض لتأثير عدد من الأفراد وتمكين التواصل مع أشخاص يحملون نفس الفكر من شتى أنحاء العالم على مدى 24 ساعة في اليوم. بالنسبة لجميع الأفراد الـ15 الذين تمت دراستهم، كان الإنترنت مصدراً رئيسياًّ للمعلومات والاتصالات وللدعاية لاعتقاداتهم المتطرفة.
ثانياً: يدعم البحث نظرية أن الإنترنت يؤدي وظيفة غرفة الصدى للاعتقادات المتطرفة؛ بعبارة أخرى، ربما يوفِّر الإنترنت فرصة أكبر من التواصل عن طرق أخرى لتأكيد الاعتقادات الموجودة.
ثالثاً: لا تؤيد الدراسة بالضرورة نظرية أن الإنترنت يسرع عملية التحول إلى التطرف، لكنه ربما يسهل ذلك.
رابعاً: لا تؤيد الأدلة أن الإنترنت يسمح بالتحول إلى التطرف دون تواصل مباشر في عالم الواقع. عوضاً عن ذلك، تبيِّن الأدلة أن الإنترنت ليـس بديلاً عن الاجتماعات المباشرة بشكل شخصي، لكنه يكملها.
خامساً: لا تؤيد الدراسة نظرية أن الإنـترنت يزيد فرص التحول الذاتي إلى التطرف. في جمـيع الحـالات التي تمت مراجـعتها في الدراسات السابقة، كان الأشـخاص يتواصـلون مع أشخاص آخرين، سواء من خلال العالم الافـتراضي أو الواقعي.
التوصيات
تعتمد نتائج هذه الدراسة على عدد صغير من الحالات، لأنها تُشكل عينة ملائمة، لكنها لا تعكس بالضرورة الطريقة التي يستخدم من خلالها جميع المتطرفين العنيفين والإرهابيين الإنترنت خلال عملية التحول إلى الراديكالية المتطرفة؛ لكنه مع ذلك تعطينا فكرة جيِّدة عن أفكار لم يتم بحثها سابقاً، وتسلط الضوء على أهمية التأكد من صحة النظريات الموجودة في الدراسات السابقة من خلال تطبيقها على أدلة عملية.
الأدلة التي تم جمعها من أجل هذا التقرير أكدت أن الإنترنت له أثر واضح في عملية التحول إلى التطرف للإرهابيين العنيفين والإرهابيين الذين شكلوا العينة لهذه الدراسة. مكَّنت الأدلة فريق البحث الغوص في ذلك أكثر واستكـشاف ما إذا كـانت النظريات الخمس التي برزت من الدراسات السـابقة ذات الصـلة هي صحيحة في الحالات موضوع الدراسة. كما تمِّت الإشارة سابقاً، أيدت هذه الدراسة بـعض تلك النظريات فيما لم تؤيد البعض الآخر. لذلك تبـيِّن الدراسة أهميـة جمع الأدلة المباشرة، أو إجراء دراسـات أوليـة، للحصول على صـورة أكـثر كمالاً حول دور الإنترنـت في التـحول إلى التطرف.