بأسلوبه التشكيلي المتميز خطّ الفنان عبدالله الشلتي مساراته في عالم الإبداع.. وبهدوئه الجميل وذهنه النقي وخلقه الرفيع امتلك عدداً كبيراً من الأصدقاء، ولا يمكن لمن عرفه أو التقاه إلا أن يحترمه ويقدره.. ولذلك فإن تكريمه قبل أيام في ملتقى أهل أبها هو تكريم ذهب إلى من يستحقه. وعلى الرغم من أنه ليس أول تكريم، فالشلتي كرم مرات كثيرة من قبل، غير أن استمرارية التكريم هي ديمومة للمبدع الكامن في روح الشخص، ليتابع العطاء.
لا أحد يستطيع أن يجادل في أن الشلتي أحد رواد الحركة التشكيلية في منطقة عسير والمملكة، وبقناعتي هو من الرواد ليس على مستوى منطقة الخليج العربي فحسب بل على المستوى العربي، فلوحاته التي تتماهى فيها الأشكال ويبحث المتلقي عن تفاصيلها بين الألوان تمثل استثناء أسلوبيا لا يتقنه إلا من تمرس في الريشة واللون زمنا. أما التفاصيل فمن أراد أن يغوص في أعماقها لوجد في خفايا نتوءاتها التأثيرية شخوصا وقصصا وحكايات تروى من الجنوب ودفئه.. وكذلك من غير الجنوب.. فالشلتي تجاوز كونه فنانا تشكيليا يرسم فقط إلى أنه يفكر قبل أن يرسم، ويرسم وهو يفكر.. ثم يسكب الفكرة برؤية لونية ليصنع الحالة الإبداعية التي يريد.
يحضر المكان والإنسان في لوحات الشلتي، فتارة يجعل المتلقي يبحث عن جمهرة من البشر بتكوينات داخلية يستند فيها على المد الشاقولي، وتارة يختفي الإنسان ليكون المكان في اللوحة سيد الموقف بمساحاته وجدرانه وأقواس مداخله. وحين يتماهى الإنسان والمكان لديه في عمل واحد تتباين النسب والكتل ضمن محاور بصرية جاذبة ترتكز على إحساسه المتميز بالامتدادات، وقدرته على الغوص في الحالة اللونية كفيلسوف يرتدي ريشة فنان.
على المستوى الشخصي، لا أذكر أني التقيت أبا سلطان منذ تعرفت عليه أول مرة في قرية المفتاحة في عام 1995 إلا وكان قريبا من القلب، يحدثك بصوت دافئ ومفردات منتقاة تشعرك بمودته الجارفة حتى لا تتمنى الابتعاد عنه، لكنك تضطر للمغادرة كي لا تشغله أكثر وتمضي إلى مشاغلك أيضا.
جميل أن كرم أهل أبها عبدالله الشلتي، ولا غرابة في ذلك فهم هكذا أهل مبادرات دائما. وأن يبادر عبدالله شاهر ونيازي، ويحتفي التيهاني والنهاري والآخرون.. فالاحتفالية تكون كتلة متماوجة من الألفة والسحر، ولعله شعور شخص بعيد تمنى الاقتراب والتوغل في المكان ليُسهم في جزء من طقوسه الشلتية.. حيث أبها.. وأهلها، وحيث ملتقاهم.