الضغوط الأميركية، نحو التوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني- الصهيوني، يمكن ألا تصل إلى طريق مسدود، إذا ما تخلى الصهاينة عن تمسكهم بالاحتلال، إذ لم يتبق من مسائل خلافية تتمسك بها السلطة، سوى رفضها ليهودية الكيان الغاصب، ومطالبتها بإيجاد حلول عملية لقضية اللاجئين
في حالة الانكسار التي تعم عددا من البلاد العربية، مهددة بانهيار الكيانات الوطنية، التي تأسست في معظم البلاد العربية، بعد إنجاز معركة الاستقلال، وتراجع الاهتمام العربي، الشعبي والرسمي بالقضية الفلسطينية، يصعّد الكيان الصهيوني عدوانه على الشعب الفلسطيني المظلوم.
فإضافة إلى ممارساته التوسعية المعهودة، المتمثلة في مطاردة المقاومين الفلسطينيين، وهدم البيوت، وإغلاق المعابر والممرات، ومصادرة الأراضي والممتلكات، خطى الكيان الغاصب خطوات عدوانية أخرى. وكان آخرها العمل على تهويد المدينة المقدسة، وإلغاء هويتها العربية، ورفع الوصاية الأردنية عن الحرم القدسي. وكان ذلك موضوع حديثنا، على صدر صحيفة الوطن الغراء، قبل أسبوعين من هذا التاريخ.
واقع الحال، إن متابعة ممارسات غطرسة العنصرية الصهيونية، طيلة سنوات الاحتلال، ومنذ نكسة 1967، تؤكد بما لا يقبل الجدل، أنه كلما تصاعدت ضغوط المجتمع الدولي، على قيادة الكيان الصهيوني من أجل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، يضمن تأمين الحد الأدنى من حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة، كلما أوغل هذا الكيان في ممارسة سياسة التسويف والمماطلة، ووجه بوصلة الصراع، نحو وجهة أخرى، من خلال تصعيد العدوان على الضفة الغربية وقطاع غزة، تارة بالتسريع بالتوسع في بناء المستوطنات، وجعلها محورا جديدا في المفاوضات العبثية، أو بمصادرة الأراضي والممتلكات، أو بالعدوان العسكري المباشر على الضفة الغربية، أو قطاع غزة.
كان ذلك هو النمط الدائم للسياسات الإسرائيلية، منذ بدأ صدور وعد بلفور المشؤوم، في عشرينات القرن المنصرم، وبداية الهجرة اليهودية إلى أرض السلام، كمقدمة لازمة لتنفيذ المشروع الصهيوني في جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود، وحيازة أرضها، وتجريد سكانها الأصليين من ممتلكاتهم، وتحويلهم إلى لاجئين بالمنافي والشتات، بالأقطار العربية المجاورة.
وقد واصلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مراهنتها على انحياز الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، في أوروبا الغربية، لمخططات العدوان الصهيوني، ووقفت دونما تردد ضد تطلعات الشعب الفلسطيني المظلوم في التحرر والانعتاق، واستعادة حقوقه المهدورة.
العدوان الأخير على قطاع غزة، جاء بعد تعثر المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، التي ترعاها الإدارة الأميركية، بإشراف وزير خارجيتها، جون كيري. لقد بدا لكثير من المراقبين، أن الأميركيين، جادون هذه المرة في الدفع بمفاوضات السلام إلى نهاياتها، خاصة بعد الحديث عن تلويح أميركي وأوروبي غربي، بإمكان فرض حصار على الكيان الغاصب، ما لم يتوقف عن مواصلة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، ويقبل بالدخول في مفاوضات نهائية وجادة مع الفلسطينيين، يكون من نتيجتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة، منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح، على الأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان العبري في حرب الأيام الستة، التي انتهت بهزيمة جيوش بلاد المواجهة في تلك الحرب.
لكن المفاوضات الأخيرة، انتهت كسابقاتها لطريق مسدود، والسبب وكما هي العادة، تعنت المفاوض الصهيوني، وإصراره على عدم تقديم أي تنازلات للمفاوض الفلسطيني، حتى في الحدود التي يراها المفاوض الأميركي، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، والراعي لعملية السلام.
صحيح أن السيد كيري، تمكن من تضييق الفجوة بين السلطة الفلسطينية، بزعامة أبو مازن، وحكومة نتنياهو، ويعود ذلك إلى مرونة المفاوض الفلسطيني، الذي قدم كل ما بمقدوره من تنازلات، من أجل التوصل إلى سلام عادل، يضمن اعتراف الكيان الصهيوني، بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
تركز اختلاف المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين بالجولة الأخيرة، حول ثلاث قضايا: هي حق العودة للاجئين الفلسطينيين المقيمين في الشتات وفي المخيمات الفلسطينية، بالدول العربية المجاورة، الأردن وسورية ولبنان، وانسحاب قوات الاحتلال من كامل الأراضي التي احتلت في حرب يونيو 1967، التي سيقام على جغرافيتها الكيان الفلسطيني الجديد، أو الدولة الفلسطينية المستقلة، وعودة الجزء الشرقي من المدينة المقدسة للسلطة الفلسطينية، واعتبارها عاصمة الدولة المرتقبة.
تمسك الصهاينة بموقفهم الرافض لحق العودة، كما رفضوا اعتبار القدس الشرقية، عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة. وطرحوا مطالب تعجيزية جديدة، فأصروا على أن تقبل السلطة الفلسطينية، بيهودية إسرائيل، وهي موافقة إن تمت فإنها تمهد قانونيا لطرد الفلسطينيين، الذين صمدوا طويلا، وتمسكوا في ظروف غاية في الصعوبة بأرضهم، رغم الحصار والاضطهاد العنصريين، وحملات التطهير العرقي.
تمسك الصهاينة، أيضا ببقاء المستوطنات اليهودية في الأرض الفلسطينية المحتلة، التي يتشكل معظمها فوق تلال، تطل على مدن الضفة الغربية. وطرحوا مقايضتها بمساحات مماثلة من أراضي النقب الصحراوية، ولم يعد هذا الطرح مثار رفض من قبل السلطة الفلسطينية.
الضغوط الأميركية، نحو التوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني- الصهيوني، يمكن ألا تصل إلى طريق مسدود، إذا ما تخلى الصهاينة عن تمسكهم بالاحتلال، إذ لم يتبق من مسائل خلافية تتمسك بها السلطة، سوى رفضها ليهودية الكيان الغاصب، ومطالبتها بإيجاد حلول عملية لقضية اللاجئين، ليس بالضرورة عودتهم لديارهم، ولكن بإيجاد حلول تكون مقبولة من اللاجئين في الشتات.
العدوان الأخير، على قطاع غزة، هو محاولة إسرائيلية، للعودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر. وهي سياسة دأبت القيادات الصهيونية المتعاقبة على ممارستها. سياسات المماطلة والتسويف، عقبة صعبة في طريق السلام، والعدوان الصهيوني، ينبغي ألا يمر دون عقاب، وذلك يحتاج إلى وقفة عربية قوية، وتضامن من قبل المجتمع الدولي ضد العدوان، بما يتكفل بقطع الطريق على النهج المستمر للكيان الغاصب، نهج المماطلة والتسويف وإنكار الحقوق الفلسطينية.