في مجموعة خالد المرضي القصصية التي حملت اسما هو (لا توقع الكراسة)، يبرز الوصف الدقيق في كتابة وجدانية تجمع غالبا بين الحسي وما يحمله من تداعيات نفسية.
مجموعة الكاتب السعودي اشتملت على 15 قصة قصيرة، جاءت في 63 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن (طوى للثقافة والنشر والإعلان) بلندن.
القصة الأولى التي حملت عنوانا هو (إلى الحياة)، تعتبر نموذجية من حيث إنها تمثل السمات التي ترد في سائر قصص المجموعة كلها وإن تميزت الواحدة منها عن الأخرى قليلا هنا أو هناك.
في هذه القصة نجد مراوحة بين نصين: شعري وقصصي، والنص القصصي يلفه غموض فيكاد لا يفهم قصصيا بل يمكن الدخول إليه من الباب الشعري.
يقول خالد المرضي على قمة التل جدران ملساء عالية من البعد تبدو كصندوق نبتت على أركانه حجرات صغيرة... في سماء الصندوق تغني صفارات في غير فرح فتتناسل رؤوس تعتمر قبعات صخرية تذرع جوانب الحجرات قلقة ومتوترة ترمي عيونها بشرر تكاد تشتعل له كل السفوح المجاورة.
وفي قصة (عين الحارس) وصف دقيق يختلط فيه الحسي بالنفسي الوجداني وبالأحداث في الوقت ذاته. المشاعر الغريبة والأوهام والتأثر بقراءات مختلفة منها قصص للأميركي إدجار ألان بو ومنها أيضا (الجريمة والعقاب) لدوستويفسكي.. تؤدي إلى دفع بطل القصة إلى ارتكاب جريمة قتل استنادا إلى أوهام وصور مسبقة وتأثر بقراءات كالسالفة الذكر. ويمكن استنتاج ذلك بإسهام من البطل أي بإشارات منه إلى تلك الأعمال السردية.
في القصة وصف يجمع بين الحسي وما يحمله من تداعيات نفسية. يقول المرضي بلسان بطل قصته هذه: بدأت قطرات المطر تنقر سقف الصفيح.. الصفيح الذي يغطي سقف حجرة السطح. لا أعرف لماذا تذكرت الآن حارس العمارة العجوز الحارس الذي طالما نهرني عند الخروج والدخول، يتعلل بكرهه لرائحة الدخان وبقايا أعقابها التي تتناثر في زوايا الدرج عند مدخل العمارة.
في قصة (لا توقع الكراسة) التي أعطت اسمها للمجموعة ذكريات طفولة عن مدرسة وأستاذ. يتداخل فيها الوصف المادي بالحالة النفسية فيتشكل لنا مزيج مؤثر يلتحم بعضه ببعض بحرارة وحياة. وتبرز هنا كما في أماكن أخرى من المجموعة القصصية، قدرة الكاتب على جعل الأحداث والأجواء والظروف المادية وحتى الأصوات المتعددة المتنوعة تتحول إلى حالات نفسية شعورية أو ما يقارب تلك الأحوال.
في قصة (مفتاح) تصوير بنسج من الرمزي والسوريالي. إنها قصة تشبه قصيدة يقول الكاتب توسل الشاب شاهدين وقرر بتمام عقله أن يقفز إلى الستين. وكان يضحك. أبيض شعره وزادت قدماه واحدة... وكان يضحك. في المجموعة وتحت عنوان (أرزاق) نجد خليطا مما يمكن أن نعتبره قصصا شديدة القصر وقصصا يمكن وصفها بأنها قصص قصيرة جدا. إلا أنه يمكننا أيضا أن نعتبر هذه القصص بعضا من قصة واحدة تتشكل منها كلها. من براعة الكاتب أنه ترك لنا مجالا لتخيّل الحالين. وقد وضع أرقاما لكل واحدة من تلك القصص أو تلك الأجزاء من القصة.