من الأفضل بدلا من المباهاة بكم وعدد المساجد في بلادنا، أن نباهي بالكيفية التي تُصان بها، وما يُقدم لها من خدمة تنظيف وصيانة وتجميل مستمر، تجعلها في أبهى حلتها، خاصة تلك الموجودة على الطرق البريّة التي يرتادها المسافرون برا، وبعضهم من السياح يزورون مناطقنا السياحية، فحال بعضها مؤسف وملحقاتها من دورات المياه ـ أعزّكم الله ـ تفتقد إلى أبسط الإمكانات الآدمية، مما يجعلها مرتعا خصبا للحشرات والزواحف والقطط والكلاب، الأمر الذي يجعلك تقول لنفسك حين تضطر مجبرا على دخولها أنا فين بالضبط!.
ربما كثرة المساجد دون تخطيط هو ما أدى إلى سوء خدمات الصيانة والتنظيف لبعضها، فعدد المساجد في مختلف مناطق المملكة تجاوز 94 ألف مسجد، حسبما نُشر في حوار العام الماضي مع وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للشؤون الإدارية والفنية عبدالله الهويمل بصحيفة الجزيرة، وطبعا ما يزال يتزايد العدد لإقبال الراغبين من فاعلي الخير على بناء المساجد؛ نتيجة دعم وزارة الشؤون الإسلامية بما تقدمه من تسهيلات، ولكن ـ وبصراحة ـ لا ينفع الإقبال والتسهيلات هكذا دون تخطيط، فأكثرنا بات يُلاحظ كثرة المساجد داخل الحي الواحد، فلا يفصل بين مسجد وثان سوى شارعين أو فركة رجل، ومع الأسف لا تمتلئ بالمصلين سوى في صلاة الجمعة، بينما لا تتجاوز الصفوف الأولى يوميا، وإن اكتملت في بعضها فهذه نعمة كبيرة!.
وأتساءل ألا يمكن لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أن تدعم وتقدم تسهيلات أكبر لفاعلي الخير؛ من أجل بناء بنايات سكنية قائمة بحالها لا كملحق للمساجد تكون متواضعة المساحة، ويتم وقفها لوجه الله، للفقيرات من المطلقات والأرامل وكبار السن، فيتمتعون فيها بسكن آدمي؛ أم إن فعل الخير فقط يكمن في بناء المساجد؟! صحيح هناك من فاعلي الخير من يفعلون ذلك لكنهم قلة، وهم يخصصون بيوتا شعبية أو بنايات محدودة كوقف تكون أربطة تتكوم فيها الفقيرات، حتى إن بعضهن لا تجد سوى حجرة واحدة صغيرة مع أطفالها، والمؤسف أن هذه الأربطة لا تمكن المطلقات والأرامل اللاتي لديهن أبناء ذكور يتجاوزون سن العاشرة من السكن فيها، بحسب علمي منعا للاختلاط! فيُجبرن على الخروج منها واستئجار بيت لا يمكنهن دفع إيجاره، ولهذا لماذا لا تقدم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف تسهيلات وتيسيرات مغرية لدعم فاعلي الخير من رجال الأعمال؛ لبناء بنايات سكنية في المخططات الجديدة، تُسهم في حل مشكلة إسكان الفقيرات، وأيضا بناء دور للمسنين ممن لا عائل لهم، الذين نرى بعضهم في المستشفيات وفي الشوارع نتيجة عدم توفر دار للمسنين حكومية ببعض المناطق الحيوية كمدينة جدة مثلا، وأتحدث هنا عن سكن آدمي لا مجرد سقف وحجرة متواضعة، كما في بعض الأربطة بالأحياء الشعبية التي تتكوم فيها الفقيرات كعلب السردين!، أليس ذلك أجدى لدفع رجال الأعمال لخدمة المجتمع بدلا من وضع هذه المشكلة على طاولة وزارة الإسكان التي قيدت بشروطها المحتاجين؛ لأنها لا تعرف أن تلبي طلبات الكثرة التي تصف في طابور السرا؟!
بالله عليكم، أليس ذلك أجدى من بناء مسجدين وثلاثة مساجد في حي صغير لا يفصل بينها سوى فركة رجل؟!