من المخيف أن تعتقد 'الصحة' أنها على الطريق الصحيح، وهي تقيس أداءها وإنجازاتها بعدد الأسرّة، في دلالة واضحة على عجز في الإدارة، وإغفال جوانب تخطيطية حساسة وحيوية تتسبب في استمرار عدم رضا المواطنين
أتى تصريح وكيل وزارة الصحة للخدمات العلاجية مطلع الأسبوع باردا ومفاجئا، فبرودته بتكراره من الوزارة والذي صمتت به آذاننا باحتياجها لعشرات السنين حتى تبدأ بالقيام بواجبها الخدمي المتعثر، أما المفاجأة فهي تزامن هذه التصريحات مع السنة الأخيرة من خطة التنمية التاسعة!
شجاعة وزارة الصحة بالتصريح مؤخرا، وفي عدة مناسبات، عن حاجتها لفترة تتراوح ما بين خمس إلى عشرات السنين لتجاوز العوائق التي تقف أمامها يحتم علينا التوقف لتقييم أداء الوزارة خلال الخمس سنوات الماضية لمعرفة إن كانت تملك امتياز طلب عقود من الزمن لتصحيح مسارها.
حددت خطة التنمية التاسعة (2010 – 2014) أهدافا محددة للخدمات المقدمة من وزارة الصحة بناء على توقعات الطلب على خدمات الرعاية الصحية الرامية إلى التوسع في الخدمة وزيادة الكفاءة. تستهدف خطة التنمية التاسعة أن تحقق وزارة الصحة ما يلي بنهاية 2014:
أولا، الوصول بعدد الأسرة العلاجية إلى 56,379 سريرا بينما العدد الفعلي الحالي للأسرة هو 35,828 سريرا بزيادة 1100 سرير عن هدف خطة التنمية السابقة الثامنة! أي أن وزارة الصحة لم تزد سوى 1100 سرير فقط خلال خمس سنوات، وهو ما يعني أن الوزارة لم تحقق هدف خطة التنمية التاسعة الخاص بالتوسع في عدد الأسرة، فهي بالكاد جاوزت هدف الخطة السابقة واحتاجت لذلك عشر سنوات عبر خطتي تنمية.
ثانيا، الوصول بعدد الأطباء للأسرة العلاجية في وزارة الصحة إلى 32،657 طبيبا، بينما عدد أطباء الوزارة الحالي هو 26،266 طبيبا وهو أقل بـ377 طبيبا من مما حققته الوزارة في خطة التنمية الثامنة، وبالطبع أقل من هدف خطة التنمية التاسعة الحالية بأكثر من 6000 طبيب. أي أن وزارة الصحة تراجعت حتى عن ما حققته خلال خطة التنمية الثامنة السابقة مما يعني أن عشر سنوات وخطتي تنمية تبخرت من دون أي زيادة في أعداد الأطباء.
ثالثا، الوصول بعدد مراكز الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة إلى 2،958 مركزا، بينما عدد المراكز الحالي هو 2،259 بزيادة 150 مركزا فقط عن هدف خطة التنمية الثامنة السابقة! أي أن وزارة الصحة لم تفتتح سوى 150 مركزا خلال الخمس سنوات الماضية، وهو ما يعني أن الوزارة بالكاد بدأت بتحقيق هدف الخطة الحالية الخاص بمراكز الرعاية الصحية الأولية، حيث إنها تعمل وفق خطة تنموية عشرية تمتد لعشرات السنين.
رابعا، زيادة عدد أطباء مراكز الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة ليصل إلى 10،351 طبيبا، بينما العدد الحالي هو 8،390 بزيادة 3000 طبيب فقط خلال سبع سنوات وعلى امتداد خطتين تنمويتين، ويبدو أن الوزارة لن تحقق هدف خطة التنمية الحالية إلا في منتصف الخطة العاشرة القادمة والناتج عشر سنوات لكل هدف تنموي.
كل ما ذكر أعلاه هو قياس لأداء وزارة الصحة حسب بعض الأهداف والمعايير التي حددتها خطة التنمية التاسعة، فالمشاريع والإنجازات التي تعلن عنها وزارة الصحة مستدلة باستراتيجيتها الوزارية التنفيذية لا يعتد بها، فما يتم قياسه من قبل الوزارة ذاتها هو تقييم أداء داخلي لها ولمنسوبيها ولا وزن له بمعايير التنمية الوطنية إلا في حال انعكست الإنجازات الوزارية على مؤشرات خطط التنمية بشكل إيجابي بتحققها كما وكيفا ووفق الخطة الزمنية المحددة.
ذكر وكيل وزارة الصحة في تصريحه أنهم وحسب استراتيجية الوزارة سيصلون بحلول عام 1440 (نهاية خطة التنمية العاشرة) لعدد 73000 سرير، وهو ما تعده الوزارة إنجازا بينما هو دليل على أن الوزارة متخبطة حتى في استراتيجيتها وتخطيطها وأنها لا تتوافق مع خطط التنمية. تتراوح نسب زيادة التوسع في عدد الأسرة في خطط التنمية ما بين 60 – 70% عن الخطة التي تسبقها، وعليه فإن هدف خطة التنمية العاشرة المتوقع هو الوصول بعدد الأسرة العلاجية لحوالي 96000 سرير بنهاية عام 1440، أي بزيادة 23000 سرير عن ما قامت الوزارة بالتخطيط له كإنجاز في حال تحقيقه!
أما إذا أضفنا إلى هذه المعادلة أداء الوزارة خلال عشرات السنين السابقة، وهو افتتاح وتشغيل 1000 سرير في كل خمس سنوات فإن الـ73000 سرير سيتم الوصول لها بعد 30 خطة تنموية خمسية.
من المخيف حقا أن تعتقد الوزارة أنها على الطريق الصحيح وهي تقيس أداءها وإنجازاتها بعدد الأسرة في دلالة واضحة على عجز عن إدارة وزارة الصحة وإغفال لجوانب تخطيطية حساسة وحيوية تتسبب في استمرار عدم رضا المواطنين وتتسبب في هدر المال العام الذي لم يبخل به الملك - حفظه الله -، بدلالة الزيادة السنوية بميزانية وزارة الصحة خلال عشرات السنين الماضية، والذي لم تستطع الوزارة عكسه على خدماتها للمواطنين أو عبر مؤشرات خطط التنمية الوطنية.
من المخيف أن تعتقد الوزارة أنها تسير على الطريق الصحيح بينما هي تسير من عشرات السنين على طريق ترابي بظلمة ليل من دون دليل، لم تفلح نداءات المواطنين ولم يفلح تعثرها التنموي في إعادتها لرشدها وهي المسؤولة عن أغلى ما يملكه المواطن، الصحة.