الساعة الثانية عشرة من مساء الثلاثاء، ولم يتبق سوى سويعات قليلة قبل موعد تسليم هذا المقال، وما زلت عالقا بين ملفات العمل التي لا تهم أي قارئ، أرقام
وتفاصيل وخطط عمل، والدقائق تلاحقني كأستاذ المدرسة الذي يتوقع منك أنك فهمت الدرس، ومستعد أن تشرحه لزملائك، ولكنك تكتشف في لحظة فات فيها الفوت أنك قمت بدراسة الفصل الخاطئ، وتجاوزك الزمن ووقعت في الشبك.
ورغم أن الكاتب عليه أن يتابع بهم لحظي كل ما يدور حوله من أحداث
وقضايا، إلا أن الكمال لوجه الله تعالى، وكما أن لله في خلقه شؤون، فإنه سبحانه قادر على خلق الإلهام من حيث لا نعلم، وهو المسير للقدر الذي نختار منه ما يقرره عقلنا المحدود، والحكمة تأتيك أحيانا من حيث لا تعلم، فالسعادة كمفهوم حياتي، تاه في شرحه الفلاسفة والعلماء، وتعمق في تحليله الاجتماعيون
والنفسيون عبر العصور، تمكن فنان من بلاد العم سام، من إقناعي بما عجز عنه كل مرشدي مدارسنا ومعلمي التربية الأخلاقية، الذين تعودوا أن يختزلوا ما قاله الغير دون أن يفكروا خارج الصندوق، ويمدونا بسلاح النفس الذي هو ركيزة أي إنسان سعيد.
لست أسير الغرب كما سيحلو للبعض أن يقول، إلا أن فاريل وليامز المغني الأميركي بأغنية السعادة – هابي، تمكن من تأطير حقيقة السعادة بعيدا عن الديباجات المعلبة، التي تقدم نماذج لكيف حقق مبتكرها السعادة، ولكنها لم تحاول أن تحول المعنى اللفظي لصورة بصرية يعيها العقل بجوارحه الفنية وإحساسه المرهف، وهي المَواطن التي يجب تنشيطها للشعور بالسعادة الصعبة المنال في هذا الزمن المتأزم.
الساعة الثانية عشرة وخمسة وأربعون دقيقة تدق الآن، وقلمي يسطر كلمات فلسفية تحاول تحليل معنى علمي له أطره وتاريخه، وموروث عقود وقرون،
وخلاصات حضارات وقناعات، ولم تعد الدقائق التي تمر تقلقني، فالمقال قارب على الوصول لكلماته الثلاثمئة والخمسين، وأصبحت أشعر بنوع من السعادة، فلم أخطئ في مراجعة الدرس، واكتشفت حقيقة أني كنت منذ طفولتي أبحث عن معنى السعادة بقراءة مراجع مستنسخة، في حين وجدتها مصادفة في الروح التي تراقصت مع معاني الإيجابية، بلغة أجنبية لمطرب لا يشبهني في أي شيء.