كانت لحظات عابرة وقصيرة، تلك التي تألف بها الناس مع القنوات الإخبارية، بحيث سيطرت على مساءاتهم، الـسي إن إن خلال حرب تحرير الكويت 1991 هي التي فتحت الباب، ثم عاد الناس لتناولاتهم العادية ومتابعة حياتهم حتى أتت انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 التي تفجرت بعد مفاوضات واي بلانتيشن التي طمحت لحل نهائي لملف القضية الفلسطينية، وكانت قمتها اللقطة المؤلمة للطفل محمد الدرة، ثم عادت الأمور لطبيعتها حتى أحداث سبتمبر الشهيرة في 2001، التي توهجت بفضلها الجزيرة وشجعت لإطلاق العديد من القنوات الإخبارية، ثم احتلال العراق عام 2003، وحرب لبنان 2006، وغزة 2009، كلها كانت متابعات عابرة لأسابيع فقط، لكن منذ أحداث الربيع العربي مع بداية 2011، والناس تشحن بالمشاهد المؤلمة والأخبار المتلاحقة السريعة وفق إيقاع لاهث، الصور مؤلمة والتقارير التلفزيونية المرافقة بشعة ولا إنسانية، واليوم وعلى هذه الوتيرة نستكمل أعواما ثلاثة من هذا النمط المرئي الصعب، ولولا أن موسم كرة القدم السعودي كان استثناء بنتائجه ومبارياته ـ الأمر الذي وفر خيارا في ظل تضاؤل الخيارات ـ لكانت الأمور صعبة جدا على المشاهد، مل الناس النشرات التي لا تجلب سوى الموت والقنوط واليأس، سينسحبون إلى مناطق أقل توترا وأكثر بهجة وأقرب تصالحا مع الحياة، كأس العالم 2014، ربما ستعلن طلاقا وقطيعة مع مزاج الربيع العربي الإخباري المرئي، خاصة وأنها ستتداخل مع شهر رمضان المبارك بمزاجه المرئي المتناقض مع المتابعات الخبرية، ضعفت الجزيرة بشكل واضح وامتد الهزال لكافة برامجها، العربية ومع إقفال الملف السوري ستعود لقواعدها وتناولاتها الاعتيادية، بينما ستبقى الإخباريات الأوروبية الناطقة بالعربية مرتبطة بملفات حكوماتها أولا، ولا أفق يلوح بالنجاة للاستثمارات الشخصية في هذه الصناعة التي تموت.