لا يوجد في تاريخ القرارات الإدارية الجوهرية شيء أسوأ من أن يتحول القرار إلى نكتة. عندها يتحول إلى رسالة (خاطئة) لكل المستهدفين بالقرار وعندها سيفهم ملايين المقصودين به استحالة نفاذ القرار وتطبيقه. كتبت ليلة قرارنا السيادي بتصحيح أوضاع العمالة الوافدة، أن أكثر ما أخشاه هو أن يتحول القرار إلى مجرد فزعة موقتة لبضع حملات تفتيش في بضعة أيام ثم نكتشف أننا لم نضع الآليات المناسبة لما بعد الحملات والتفتيش. هذا ما حدث بالضبط. عشرات العمالة السائبة على مدخل الحي عادت لمواقعها على مدار الساعة. نصف الدكاكين المقفلة في أسبوع التفتيش عادت بذات الوجوه، وبذات الطريقة نفسها حين نام التفتيش واختفت الحملة.
يقول مراسلي (الشخصي) إن (منفوحة) عادت لعادتها القديمة وكأن شيئاً لم يحصل. عامل الصيانة الكهربائية (السائب) الذي حضر لمنزلي بعد ظهر الأمس يقول ضاحكاً ساخراً بالأمس: لا توجد سجون لثلاثة ملايين مخالف لأنظمة العمل والإقامة ولن يجدوا ثلاثة ملايين مقعد طائرة لترحيل هذه الملايين إن صدقت الحملة.
هذا خطأ فادح في آلية تنفيذ القانون. لم يكن ولن يكون ضرورياً أن نفتح أبواب سجون الترحيل ومن غير المطلوب حجز الطائرات لترحيل العمالة المخالفة. هناك عشرات الأفكار الأخرى لضبط المسألة. من هذه الأفكار أن تتحول حملات التفتيش إلى مجرد إشعار ورقي رسمي بتسجيل المخالفة. أن يدفع الكفيل مبلغاً يومياً بعد هذا الإشعار وأن يوضع اسم صاحب المنشأة على القائمة الحمراء للاستقدام ولكافة أنواع النشاط التجاري بعد تسجيل أول حالة مكفول مخالف. أن يذهب رقم إقامة العامل إلى حواسيب الجوازات لمنعه فوراً من تأشيرة العودة. نحن نعرف أن (كذبة) المئة ألف ريال على كل كفيل مخالف والسجن لعام كما يقول القانون لن تجد طريقها للتنفيذ... وحتى اللحظة لم نسجل حالة واحدة لنفاذ مثل هذه العبارة الورقية رغم أننا نعرف أن في البلد ثلاثة ملايين مخالف. نحن نريد أن يعرف الكفيل والمكفول السائب أن كل يوم للمخالفة بعد ورقة (الإشعار) تكلف الطرفين مئة ريال وهذا يكفي لإنقاذ هذه الكذبة الكبرى في قرار تصحيح أوضاع العمالة المخالفة.