عذابة أو أم ربع حافلة نقل كتعاء، تسير في الطرقات وكأنها تعض الأرض، يثير اصطخابها مفارق الدروب، تهتز كالتابوت وهي تحمل البشر إلى الأحياء وأطراف المدينة، تغتلي أحشاؤها بالغبار والأنقاض والضآلة الواهية، بفعل الشيخوخة والتقنية البدائية وندوب الدهر، كانت تسير في شوارع مدينتي قبل خمسين عاما أو أكثر، مقابل أجر زهيد لا يتجاوز ربع ريال.
تذكرت تلك العربة البائسة والعليلة وأنا أصغي إلى الممثلة الغجرية السورية رغدة، حين أطلت بوجهها المصفر كشجرة الزقوم، وعينيها الهالعتين الطافحتين بالخسة والضغينة وجذام الحقد الأعمى، لتشعل مقتها المدفون ولتفح في الشاشة كالأفعى المسمومة والحرباء الهرمة.
يا لسن اليأس ما أقساه حين غرب زمنها المظلم، ولم يعد بشر يدق بابها فبحثت عن حضور ارتجاعي شكلي، لعله يعيد شيئا من أيام النشوة السرابية وذاكرة الجسد المستباح، انفجرت رغدة وبصفاقة وجه وتسطيح فاضح في ذلك المساء بأسلوب وحضور استخباراتي يشبه العار بل هو العار.
وبتحولات نضالية كوميدية تنسيك جميلة بوحيرد أو جيفارا بحثا عن الهروب من المصير المعتم ومحكمة التاريخ وغسق الروح العمياء، تهز رأسها في الشاشة كالملدوغ، وتعيد ترتيب ضفائرها الليفية كالشمطاء التي شاب وليدها.
تقمصت أدواراً بطولية تضحك جوامد الحجر وأكياس الفحم، صبت هواجسها الخرساء وثرثرتها الهمجية ومناماتها الحبيسة على وطني ورموزه كمن ينهش نجوم السماء، ويطاول هالات الصباح وعروش السحاب ومعراج الشموس.
استسلمت تلك الفارغة لوطأة عقلها الممسوخ، وخضعت لأوهامها الملوثة ومخيالها المريض، مستجيبة لطغاة العصر في دمشق، بعد أن نجحوا في توظيفها كبوق فاجر يقفز من منبر إلى منبر في قاهرة العز والكبرياء، لتسهم في تلويث وشيطنة ثورة الأحرار في سورية، وطلاب الكرامة وشهداء الحق وسيوف الشرف الأموي وألق الحياة المبتغاه، ولتوزع اتهاماتها وغثيانها المحموم وضجيجها الليلي، كتجار الكلام وحواة المقاهي وحوانيت الظلام، لم يسلم والدها الراحل والنبيل وأبناؤه الشرفاء من صديدها ووقاحتها، بعد أن انضموا إلى مواكب البطولة والتضحية والفداء، وأنكروا نسبها وانتماءها لهم، بل سعت في حديثها الممجوج لتمزيق الوحدة الوطنية لأبناء مصر والإيقاع بينهم، وإشعال الضغائن وتفجير الكمائن والتحريض السافر بين الأجنحة المختلفة، وتحريك خوابي الجحيم وأصابع الموت، إنها تحفر في قاع السفينة، عتبي على تلك القناة المصرية التي استضافت تلك الممثلة الخردة، وعلى تلك المذيعة المحشوة بالسذاجة والغباء والمسايرة، فلو أرخت رأسها المعوج والمفلطح أسفل الشاشة لقرأت: الدكتور حازم الببلاوي يقول: التوافق بين مصر والسعودية هو رمانة الميزان في المنطقة العربية.. عجبي!