منذ عام 2001 تم ربط تقرير مؤشر الفساد بإصدارات منظمة الشفافية الدولية، وذلك للعلاقة الوطيدة بينهما.
وردت كلمة الفساد في القرآن 150 مرة لتجسد أنواعه الأربعة: الإدارية، والمادية، والسياسية، والأخلاقية. ومع ذلك احتلت 5 دول عربية إسلامية، وهي: الصومال، والسودان، وليبيا، والعراق، وسورية، أسوأ المراتب من بين 203 دول أعضاء بالأمم المتحدة في تقرير مؤشرات الفساد الصادر عن المنظمات الدولية أواخر عام 2013، وذلك بسبب غياب الشفافية... العدو اللدود لآفة الفساد.
دول العالم لاحظت أن الموطن الذي يستطيع الحصول على الخدمات الحكومية بشفافية في أي وقت خلال 24 ساعة يومياً وعلى مدار السنة لا يحتاج إلى تدخل الوسطاء لدفع الرشوة والعمولة. واستنتجت التقارير أن الحكومات التي تؤمن بالشفافية في هذه التعاملات، دون التحيز بين المنتفعين بخدماتها العامة، تستطيع أن تعالج سلبيات مدركات الفساد وتعزز معايير أدائها وكفاءة موظفيها وجودة خدماتها.
لذا لجأت المملكة إلى تطبيق برامج الحكومة الإلكترونية على المواقع الوطنية لتقديم خدماتها الإلكترونية في كافة الوزارات دون تدخل الوسطاء وتمادي الوكلاء. في عام 2007 أطلقت المملكة مسيرة التعاملات الإلكترونية الحكومية، لتحقق اليوم تنفيذ 1600 خدمة إلكترونية من خلال مواقعها الوطنية سعودي ويَسِّرْ وأبشر، يقوم باستخدامها 106 جهات حكومية رئيسة، فضلاً عن 65 جهة حكومية تقوم على تبادل البيانات فيما بينها إلكترونياًّ عبر قناة التكامل الحكومية.
في تقرير الأمم المتحدة للحكومات الإلكترونية لعام 2012، الذي يصدر كل سنتين، قفزت المملكة من المركز 58 في عام 2010 إلى المرتبة 41 في عام 2012 على مستوى العالم في تطبيق الحكومة الإلكترونية، وحازت على المركز 9 بين دول القارة الآسيوية، والمرتبة 21 في بين الدول الناشئة، بالإضافة إلى حلولها في المرتبة 12 ضمن أفضل 20 دولة في أداء الخدمات الإلكترونية الحكومية. كما حقق نشاط قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة على نمو بمعدل يفوق 20% منذ 7 سنوات، حيث يساوي الاستثمار الحكومي والخاص في قطاع التمكين المعلوماتي بالمملكة 10 مليارات دولار سنوياً.
من أشهر برامج الحكومة الإلكترونية السعودية برنامج يَسِّرْ، الذي أطلقت بوابته الإلكترونية في عام 2007 ليتيح 1114 خدمة إلكترونية مقدمة من 176 جهة حكومية. وتتنوع هذه الخدمات ما بين تفاعلية وإجرائية وتكاملية عن طريق قنوات متعددة مثل الإنترنت والهاتف والرسائل القصيرة وتطبيقات الجوال وأجهزة الخدمة الذاتية وأنظمة الرد الآلي، ليصل عدد الزيارات اليومية للبوابة إلى أكثر من 14 ألف زيارة. وتحتوي البوابة على جميع القوانيين والتشريعات والمبادرات والخطط واللوائح الحكومية، التي تمس حياة ومصالح الأفراد ومنشآت القطاع الخاص، إضافة لدليل المعلومات لجميع الجهات الحكومية.
منذ عام 2001 تم ربط تقرير مؤشر الفساد بإصدارات منظمة الشفافية الدولية، وذلك للعلاقة الوطيدة بينهما. هذه المؤشرات والتقارير استنتجت أن للشفافية علاقة عكسية بالفساد وأن الدول الأكثر فساداً في تعاملاتها هي في الواقع أقل شفافيةً في تقديم خدماتها. ونظراً لأن معظم دول العالم تعاني من الفساد المادي والإداري، الذي يؤدي إلى هدر المال العام وتراجع الاقتصاد وهروب رؤوس الأموال وانعدام المساواة وتردي مستوى الخدمات، فلقد لجأت كافة الدول إلى تطبيق مبدأ الشفافية للحد من مدركات الفساد من خلال 4 عناصر رئيسية: أولها يعتمد على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وثانيها يهدف لتأسيس شراكة حقيقية بين الحكومة والمواطن، وثالثها يُمَهِد لفتح الباب أمام المساءلة والمحاسبة، وآخرها يعمل على توفير الأنظمة واللوائح الواضحة وسهولة التنفيذ.
الدول التي نجحت في مكافحة الفساد اعتمدت على الحد من مدركات الفساد المكونة من 8 عناصر أساسية، أهمها استخدام الشفافية في رسم السياسات العامة للدولة واتخاذ قراراتها الحكومية، مع توفر الأنظمة الخاصة بتقنية المعلومات وآليات الإفصاح عنها، لجعلها متاحةً للجميع على الشبكة العنكبوتية. ومن هنا جاء مصطلح الحكومة الإلكترونية، الذي تبنته المنظمات الدولية وأرست قواعده منظمة التجارة العالمية من خلال دمج اتفاقية الاتصالات في قطاع الخدمات مع اتفاقية تقنية المعلومات في قطاع السلع لاستخدامها سويةً في ربط المؤسسات الحكومية بشبكة الإنترنت من جهة، ومع مختلف خدماتها بالقطاع الخاص والأفراد من جهة أخرى، للحصول على المعلومات وتطبيق الأنظمة بشفافية مطلقة تتصف بالسرعة والدقة والجودة. في عام 2002 بادرت الأمم المتحدة باستخدام الإنترنت لتقديم المعلومات والخدمات لكافة الدول الأعضاء فيها، وفي عام 2003 قدمت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الحكومة الإلكترونية للاستخدام الأفضل لتقنية المعلومات بين أعضائها، كوسيلة لتحقيق الإصلاح وتغير العمليات الهيكلية لتحسين الأداء والوضع التنافسي لهيئاتها ودوائرها الحكومية.
خلال إحدى جلسات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المنعقد خلال العام الجاري تحت عنوان المساءلة والشفافية والتنمية المستدامة، سلط الأمين العام للأمم المتحدة الضوء على تكلفة الفساد التي أدت في العام الماضي إلى منع وصول 30% من المساعدات الإنمائية لمستحقيها في الدول الفقيرة، مشيراً إلى أن مكافحة الفساد يجب أن تكون أولويةً على المستويين الوطني والدولي بالنسبة للحكومات والمجتمع الدولي. واستنتج المجلس إلى أن آفة الفساد تعتمد على ضعف المؤسسات الرقابية وتراجع القضاء وتأثر استقلاليته وارتفاع وتيرة البيروقراطية في مؤسسات الدولة، وأن مبدأ الشفافية في التعاملات الإلكترونية أصبح الهدف الأول للدول لاجتثاث هذه الآفة.
القضاء على آفة الفساد لا تقتصر فقط على الشكليات والمناشدات والنداءات والتمنيات والتهديدات التي لا فائدة منها، بل علينا المضي قدماً في تنفيذ الآليات وتشجيع الشفافية المطلقة في التعاملات الحكومية الإلكترونية لنقضي على آفة الفساد.