لا توجد مسبّة ونقيصة أخلاقية أو دينية، لم يلصقها ، الغلاة المعاصرون، بالحياة والدنيا والوطن وأبنائه، رجالا ونساء، وبالأخص المرأة، كأسلافهم، عاسفين النصوص وحالاتها، لتركيبها على مقاس سطوتهم، ضاربين بمقاصد الدين، والعقل، وعمارة الإنسان والأرض عرض الخراب.
تسمعهم يصفون الدنيا بأنها وَسَخٌ وجناح بعوضة ودار عبور، ثم تراهم أحرص الناس وأكثرهم شراهة في الواقع، حتى صار أقصر طرق الثراء والوجاهة والجماهيرية هو الذهاب لسُلّمهم والتزيّي بزيهم ونمط حياتهم ومفردات قاموسهم. هل تذكرون بعض جامعي التبرعات ومحافظ سوق الأسهم؟!، تسمعهم أيضاً يكفّرون بني جلدتهم، وبحال لم يعتبروهم مشركين وأصحاب بدع ومذاهب منحرفة، اعتبروهم فساقا وعصاة، يلزم التضييق عليهم وبغضهم في الله، ثم تسمعهم فجأة يتحدثون عن البشاشة والإحسان مع ذوي الأديان الأخرى. هل تذكرون الصيني الذي أسلم في ثلاث دقائق؟. وتسمعهم أكثر كيف يفترسون المرأة بفتاواهم ومقولاتهم التي تعتبر النساء مصدر العَوَج والفتنة والشرور وطالع الشيطان، فتعليمها لا يأتي بخير، ولا تصلح إلا لعمل البيت ومتعة الفراش، والكلام عن رزقها وسيارتها تغريب وإفساد للمجتمع. هل تذكرون معتصمي الديوان؟. ثم تجدهم في الوقت نفسه يطيرون إلى مخيمات اللاجئات في البوسنة -قديما- وسورية الآن، وسماسرتهم يبيعون ويشترون زيجات الابتزاز! ناهيك عن أنهم أصلا ذهبوا من قبل ويذهبون في ابتكارات وتنويعات رهيبة للحصول على رغباتهم؛ مسيارا، ومسفارا، ومصحابا، ومسياحا، وزواج غششٍ بقصد الفصال، وزواج قُصّر، ووو.. الخ، ثم يصرخون في منابرهم بحميّة وحرقة أن الحديث عن قانونية أحوال المرأة ومعاملاتها باستقلال، كتعليمها، وعملها، وتنقّلها، وأهليّتها على نفسها، غرضه الوصول لها!. هذا الضخ البشع من المقولات والفتاوى البعيدة عن روح الدين ومقصده، المُحقّرة للحياة، والإنسان، والعقل، والمرأة، التي تملأ تراثنا وواقعنا، أنتج أجيالاً مريضة، لا تعنيها قيم العمل والحياة، بل تمجّد الشهوة والموت، وتنظر إلى البشر من حولها بتعالٍ بغيض، كما ترى المرأة منشفة للمتعة، وعارا يجب تغطيته وإلغاء آدميته.
في الأسبوع الماضي، سمعت عبر الراديو، حوارا بين المذيع مزروع المزروع، وهو يتحدث مع شاب بمنتصف العشرينات للتو تزوج. سأله مزروع عن اسم زوجته، فتهرب الشاب من الإجابة لاحظوا العوراتيّة التي امتدت لتغطية حتى أبجديات هوية المرأة؛ اسمها. مزروع الرائع قال له إن هذا ليس عيبا، وعَدّ أسماء أمه وأخواته وزوجته بفخر. هل هذا معقول؟! هل يعقل أن من جيل شبابنا، الذين ولدوا على انفتاح العالم ووسائل الاتصال، وظنناهم أقل مرضا، من يعتبر هويات أهله عارا! إذن إلى أي حلم ومستقبل سيذهبون!