وكأني أرى هؤلاء الدعاة الذين امتهنوا تصدير شبابنا لمواقع القتال والفتن يلطمون خزيهم ويرتجفون في ثكناتهم المكيفة وهم يقرؤون الأمر الملكي الصادر يوم الاثنين الفائت والذي يقضي بمعاقبة كل من يشارك في الأعمال القتالية خارج السعودية، أو ينتمي إلى أي من الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة، أو تلك المصنفة كمنظمات إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا، ذلك بعقوبات تعزيرية تتراوح ما بين ثلاث سنوات والعشرين.
لقد طغى هؤلاء في البلاد والعباد وزرعوا الوهم الفردوسي في عقول توهمت أن أسرع طريق للوصول إلى الجنة يكون بالقتل والانتحار وزرع الدمار في بلاد الله الواسعة، وتمكن دعاة تسييس الدين من تحويل سذاجة بعض أفراد شعبنا الذي طالما كان متمسكا بدينه ومؤمنا بربه إلى وسيلة يسهل التلاعب بها باستشهادات خارج السياق وتحوير الحقائق وتقمص أدوار ما هي لهم.
وفق تقديرات غربية فإن عدد السعوديين الذي توجهوا إلى سورية للقتال وصل إلى اثني عشر ألفا متأخرين فقط عن الشيشان الذين احتلوا المرتبة الأولى، كما تشير إحصائيات منسوبة لمنظمة حقوق الإنسان الدولية إلى أن عدد القتلى السعوديين في العراق تجاوز الألفين، وذلك منذ أن سقط النظام البعثي، إضافة إلى أنه في عام 2007 شكل عدد السعوديين 45? من إجمالي المقاتلين الأجانب الذين يهاجمون القوات النظامية والمدنيين وأفراد قوات الأمن العراقية، وذلك وفقا للصحفي نيد باركر الكاتب في صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية.
ولا شك في أن القرار الملكي الصادر يأتي بعد أن اتضح أن هناك مجهودا منظما من جهات خفية تدعي الدين تعمل على تحويل المواطن السعودي إلى وقود لحروب طائفية ولتحول مكوناته المسالمة إلى عناصر مؤدلجة ضد الخارج تمهيدا لتحويلها إلى مرتزقة تخدم مصالح هؤلاء الدعاة وتحديدا في صراعاتها الداخلية القادمة والتي هي هدفهم النهائي كما لا يخفى على أي متابع.
دعاة القتال والجماعات الدينية السياسية هي سرطانات فكرية، تنخر في الجسد الوطني فتفرق بين الإخوة وتفتت اللحمة الوطنية التي مازلنا في بدايات خلقها بالشكل الذي يقي بلادنا من شرور الأعداء الخارجيين الذين يعلمون بأن تحقيق مكاسب جيوسياسية على حساب السعودية لن يحدث إلا من خلال تفتيتها من الداخل.
البيان الذي تلقاه الفرد السعودي المحب للحياة والبناء، زرع فيه الأمل بأن التمادي في تضليل الشباب قد انتهى زمانه، وأن محاسبة هؤلاء المغرِّرين قريبة لا محالة.